يستطيع أى مواطن فى مصر أن يشترى سيارة ملاكى أو ميكروباصاً أو أوتوبيساً أو شاحنة أو حتى دراجة بخارية وتوك توك، ويقوم بنقل الركاب والبضائع من تلقاء نفسه دون أى رقابة من الدولة.
فالنقل عندنا ليس له أب شرعى أو جهة واحدة مسئولة عنه حتى وزارة النقل والمواصلات، التى من المفترض أنها مسئولة عن ذلك، ليست لها أى سلطة على وسائل النقل سوى السكة الحديد ومترو الأنفاق والسوبرجيت، وأكثر من 90% من خدمة نقل الركاب والبضائع فى مصر يقوم بها القطاع الخاص العشوائى غير المنظم، والسطور التالية توضح حجم المشكلة وآثارها السلبية وحلولها أيضاً.
المحافظات تمتلك هيئة النقل العام وتشرف على السرفيس.
وزارة السياحة تشرف على الأوتوبيسات السياحية.
وزارة قطاع الأعمال تمتلك شركات نقل الركاب بين المحافظات، وكل المؤسسات تمتلك أوتوبيسات لنقل موظفيها، والمدارس لنقل طلابها.
أما التاكسى الأبيض والأحمر والأصفر وغيرها من الألوان لا أعرف الجهة المسئولة عنه، كذلك التوك توك ليس له أب شرعى مثل «أوبر وكريم».
أما مراكب ومعديات نقل الركاب فى النيل فدماؤها موزعة ما بين وزارات السياحة والنقل والمحليات والزراعة والرى.
ومؤخراً انتشرت فى مصر سيارات السوزوكى المرخصة ملاكى وتنقل المواطنين بأجر تحت سمع وبصر وتواطؤ المسئولين.
بالإضافة إلى عشرات الآلاف من سيارات النقل والميكروباص والمراكب يمتلكها المواطنون ويعملون فى نقل الركاب والبضائع بعيداً تماماً عن سلطة وإشراف ورقابة الدولة.
هذا الوضع الشائك غير موجود فى أى دولة أخرى، وكانت نتيجته شيوع المسئولية وزيادة أسعار النقل والمواصلات وأعباء إضافية على المواطنين مع خدمة سيئة، وزيادة استهلاك للوقود، وارتفاع لفاتورة الدعم، وتدمير للطرق، وفوضى فى الشارع، وكثرة حوادث المرور، وسمعة سيئة جعلت بعض الدول تحذر رعاياها من القيادة فى مصر حفاظاً على حياتهم، وهذا بالطبع ينعكس سلباً على السياحة والاستثمار.
عشوائية النقل أيضاً أهدرت مليارات الجنيهات لأن السيارات الملاكى التى تنقل الركاب لا تسدد ضرائب مثل «أوبر وكريم» وأوتوبيسات السياحة والرحلات، كذلك السيارات غير المرخصة والتوك توك، كل هذا لا يسدد حقوق الدولة ويخلق منافسة غير شريفة حيث يظلم أصحاب السيارات الملتزمين.
كما أن العشوائية تفقد الدولة سيطرتها على النقل كما سبق وأضرب أصحاب السيارات ولكن الجيش أنقذ الموقف بسياراته.
تلك هى المشكلة وآثارها السلبية، ما الحل إذاً؟ الحل سهل بشرط توافر الإرادة الحقيقية له، وهو ليس اختراعاً للعجلة من جديد؛ فى كل الدول هناك جهة واحدة مسئولة عن المواصلات، ونحن فى مصر كانت لدينا رؤية مشابهة لذلك فى عهد د. سعد الجيوشى، وزير النقل الأسبق، حيث كان يسعى للاستفادة من تجربة بريطانيا لأنها أفضل دولة فى تنظيم وسائل المواصلات وتكاملها مع بعضها، وكان هناك حلم فى مرحلة متقدمة أن تكون لدينا تذكرة موحدة يستطيع الراكب التنقل بها فى القطار والمترو والأوتوبيس والميكروباص، بالإضافة إلى إنشاء نقابات وروابط لأصحاب الشاحنات لتنظيم عملهم.
أيضاً هناك مشروع النقل الجماعى للدكتور أسامة عقيل، خبير النقل المعروف، الذى يهدف إلى القضاء على عشوائية النقل والفوضى المرورية وإنشاء منظومة نقل جماعى محترمة تشجع المواطنين على استخدامها بدلاً من سياراتهم الخاصة.
مع إرادة الحل المشكلة سهلة ولا تحتاج إلى موارد، بالعكس العشوائية تكلفنا فاتورة كبيرة من الخسائر والمديونية وسوء الخدمة.
ومع غياب إرادة الحل المشكلة ستظل صعبة وتتفاقم.. والله الموفق والمستعان.