لا أستثنى أحداً من المسئولية.. حماس كانت أم السلطة الفلسطينية، عن الأزمات ومظاهر العنف ومصادرة الحريات التى يمنى بها الشعب الفلسطينى فى شقى الوطن، وطن كتب عليه بعد أن استولت إسرائيل على معظم أراضيه أن ينهار الفتات المتبقى منه بين قطاع غزة والضفة الغربية بفعل الانقسام، من حين لآخر يحار المرء فى سلوك طرفى النكبة الفلسطينية فى الألفية الثالثة بعد نكبة فلسطين عام 1948 التى على أثرها ما زال نزيف الدم والقمع ينال من الشعب الفلسطينى ويأخذ منه كل مأخذ، فى غزة تلاشت معالم الحياة وأصبحت أثراً بعد عين من كثرة الأزمات التى يتعرض لها سكان القطاع بفعل الحصار والعزل والعدوان عليه بالحروب المتتالية من الاحتلال الإسرائيلى تارة، ومن حكومة حماس التى تفرض سيطرتها وتمارس ساديتها بين جنباته من قمع للحريات وتكميم الأفواه والضرب بيد من حديد لكل من يعارض سياساتها، وإن ادعت عكس ذلك تارة أخرى، أما الضفة الغربية فتمارس السلطة الفلسطينية كافة أشكال التنكيل بمعارضيها، فأصبحت الاعتداءات على الأصوات الرافضة لتوجهاتها السياسية شبه يومية.
يلتقى طرفا النكبة الفلسطينية، السلطة الفلسطينية وحركة حماس، فى قمع الحريات وممارسة سياسة تكميم الأفواه ومصادرة حرية التعبير عن الرأى، وهى أمور دخيلة على ثقافة الشعب الفلسطينى، الذى تعود أن يعبر عن معاناته وتملأ صيحاته عنان السماء دون أن يعترضها أكثر أدوات الفاشية قمعاً وهو الاحتلال الإسرائيلى، لم تستطع إسرائيل قهر حرية الرأى وممارسة التعبير عنه رغم جبروت الاحتلال! لكن السلطة الفلسطينية استطاعت أن تلجم رأى المعارضين وتسكت أصوات الرافضين وتهمش قادة الرأى والمثقفين الذين يعدون منبراً للتنوير وصوت الضمير ومرآة الوعى فى المجتمع، وهو سلوك دخيل وغريب على ثقافة شعب قائمة على كشف فضائح المحتل وتسليط الضوء على كل وسائل القمع والتنكيل التى دأب الاحتلال على انتهاجها بحق الفلسطينيين، فعندما يأتى الاضطهاد من ذوى القربى فإن الطامة تكون كبرى.
فى تقرير نشره موقع أمد للإعلام حول الانتهاكات الأمنية للسلطة الفلسطينية للعمل الصحفى وقمع الحريات يتساءل: هل هو عبور مرحلة أم انقلاب على الحريات؟! يؤكد التقرير حجم القمع الذى يتعرض له العمل الصحفى فى الضفة الغربية، خلال الفترة الماضية من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، فهناك عشرات التقارير الصادرة عن مراكز حقوقية دولية ومحلية بعد رصدها لانتهاكات العمل الصحفى والإعلامى فى الضفة الغربية خصت بالذكر جهازى الأمن الوقائى والمخابرات العامة كأكثر جهازى أمن تصدرا قائمة الانتهاكات الحقوقية والمدنية للفلسطينيين العاملين فى المجال الإعلامى، فاعتقلوا صحفيين واحتجزوا معدات صحفية ومنعوا صحفيين من السفر وغرموا عاملين فى وسائل الإعلام، وكان أقلها استدعاء الصحفيين للمقرات الأمنية، ويصف التقرير الوضع داخل المقرات الأمنية أثناء عملية الاستدعاء وقبل الاعتقال ومدى الضغط النفسى الذى يتعرض له الصحفى المطلوب أمنياً وتركه لساعات طويلة دون التحقيق معه ومن ثم يتم استدعاؤه قبل انتهاء مواعيد العمل بدقائق ليعاد طلبه فى اليوم التالى للتحقيق كنوع من التعذيب النفسى والإنهاك الجسدى والإنسانى، والغريب أنها سياسة دأبت المخابرات الإسرائيلية على انتهاجها فى التحقيق مع النشطاء الفلسطينيين والمطلوبين أمنياً لها؟! فهل تحولت السلطة الفلسطينية عصا إسرائيل ضد أبناء شعبها، تعذبهم بالوكالة تمتهن كرامتهم وتقضى على حريتهم بالقمع والتنكيل؟!
يواصل التقرير وصفه للأوضاع داخل المقرات الأمنية لمن يتم اعتقاله من الصحفيين، حيث تكون المبررات جاهزة لا تحتاج إلى جهد لفبركتها، فجريمة الصحفى المعتقل صورة أو مقالة أو تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعى أو تعبير عن رأى أو اندفاع لتغطية مسيرة تندد بانتهاك ما قامت به جهة رسمية، فهذا النوع من الصحفيين موقفه صعب داخل غرف التحقيق وعنابر السجن، لن تنفعهم حصانة السلطة الرابعة ولا قرارات جنيف المتعلقة بحرية الصحافة ولا القوانين الدولية المعمول بها لحماية الصحفيين والحفاظ على حقوقهم، فكل هذه الدروع تتحول إلى سراب مع أول خطوة على عتبة مراكز التحقيق الأمنية!! ومسبقاً تكون دوافع الاعتقال جاهزة.. «الحفاظ على الأمن والسلم المجتمعى»، عدم إثارة الفتن، تعريض المجتمع للشائعات والأخبار الكاذبة، وصولاً إلى وجود الصحفى فى أماكن محظورة تعرضه للشبهة الأمنية!
ثقافة استدعاء الصحفيين بدأت تتسع وتزداد فى الضفة الغربية بسبب وبدون سبب، سواء كتب الصحفى أو التقط صورة ما أم لم يفعل، وإمكانية الاستدعاء ممكنة لمجرد التعرف على الصحفى كعملية وقائية حتى لا يقوم بعمل صحفى متهور لا تريده المستويات السياسية فى رام الله لأن عملية ترويض الإعلام مسألة غير محسومة لصالح الأجهزة الأمنية غالباً، ولا يختلف الأمر كثيراً فى قطاع غزة من حيث تعامل أجهزة أمن حماس الداخلى مع قطاع الإعلاميين والصحفيين لأسباب خاصة بالنشر أو التعبير عن الرأى سواء بالرسم أو الكتابة، وهناك حالات اعتقال عديدة تمت بحق صحفيين وفنانى كاريكاتير وغيرهم، ورغم أن كلا الطرفين دأبا على التشدق بالدفاع عن الحريات وعدم السماح بالمساس بها أو انتهاك حرماتها إلا أن الواقع يؤكد أن قمع الحريات وتكميم الأفواه ثقافة سائدة لدى الطرفين وسياسة متبعة للجم المعارضين، وهى لا تختلف كثيراً عما كان يفعله الاحتلال الإسرائيلى رغم أنه محتل!! فما مبرر سلطة قائمة تحت الاحتلال وحكومة تمارس سيادة ينقصها الاستقرار إلا أن يكون السبب هو الانقلاب على الحريات والقضاء على المعارضة.