في كل مرة تطأ فيها قلوبنا مغُرمة بفعل جديد، فنفعله حبًا، ونزداد له عشقًا، ونضع أنفسنا بين قوسين محكمي القبضة بالاختيار، يتشكل في كل جزء منا علامة تقسم ألا تفارق، أفعالنا التي اخترنا فعلها، أو اختارتنا هي بحسًا عميقًا، وجاذبية لا تخطأ، فنفي في وجودها، ونحاول أن ننسى ألم الفراق بعدها، فسبحان من منح قلوبنا نعمتي الوفاء والنسيان.
تظل أفعالنا الأولى كلحظة الإشراق، اللحظة التي يتغير فيها شكل ملامحنا، وتتحسس أرواحنا بها دروب جديدة، يحدث الحب الأول، اللقاء الأول، هزة السعادة الأولى التي تربط ما بين نبضنا الخفي وابتساماتنا المعُلنة، فنشعر وكأن بين ضلوعنا نبت عمر جديد، وحين يغيب الإشراق ويغيب نور هذا الفعل وينعدم تحدث أفعال أخرى للمرة الأولى أيضًا، الفراق الأول، انطفاءاتنا الأولى، وعمق الحزن الأقسى، فنعود بنا ضلع منكسر لا يراه أحد، وشيء في أقاسي الروح لا يشعر به أحد، وفي هذا عِناد عظيم مع ما مضى وما هو أتي، وتضارب يُزعجنا وشعور لا يستقر بسهولة.
حتى أفعالنا الأولى تخضع لقوانين البداية والنهاية، فلا شيء نفعله سيعيش أبدًا مهما طال، ولا شخص نقابله سيدوم وجوده مهما كان، وعزائنا في هذا أن نحتمي بإنسانيتنا، ألا نخدع فنترك أثرًا باقيًا من السوء، ألا نطمئن للبقاء فَنظلم بالطمأنينة، أن نؤمن بأن موروث من كانوا في حياتنا سيظل الجزء الأهم، الجزء الذي يبقى بعد فراقهم لتسطع منه إشراقات أرواحنا بلا ندم، الجزء الذي يجعلنا نبتسم رغم ما بِنا من ألم الفراق، يجعلنا نفارق الحياة وفي زواياها لنا أشياء تُذكر.