يموت «عبدالناصر» ويتولى الرئيس «السادات» الحكم. يفرح محمد الإخوانجى أيما فرح لذلك، خصوصاً أن الرئيس الجديد لا يتوقف عن الحديث عن دولة «الإيمان» فى مقابل سلفه الذى أوغل -على حد تعبير الإخوانجى- فى الارتماء فى أحضان الروس الملاحدة، تقوم الحرب ويتحقق النصر، فيزداد محمد نشوةً، أما جيل الأحفاد فيشعر بغصة، فانتماؤه إلى الزعيم الذى أفضى إلى ربه كان يعجزه عن فهم النصر الذى تحقق على يد «السادات»، فى حين أتت الهزيمة على يد الزعيم المقاتل، لكنه يبرر لنفسه الأمر بأن «السادات» حارب بالجيش الذى بناه عبدالناصر بعد النكسة، يلعن محمد الإخوانى الجميع فى سره، ويتعجب من أمر الجيل الجديد الذى يرفع صورة من جاء بالنكسة، ولا يعجبه الرجل الذى أتى بالنصر!. تحدث القطيعة بين الجميع ونظام «السادات» -كما يحكى نجيب محفوظ- عندما يتحدى الرئيس حركة التاريخ ويقرر زيارة إسرائيل، ليعقد صلحاً معها يسترد بموجبه بقية أرضه. هنالك ينتفض الجميع فى وجهه ويلعنون النصر الذى جاء بالسلام، يستوى فى ذلك الإخوانجى مع الناصرى مع اليسارى مع القومى العربى. الحس الشعبى فقط هو الذى كان يفهم السادات فى ذلك الوقت، فنظر إلى خطوة الصلح مع إسرائيل بعين الاعتبار، فكيف لا يقبل البسطاء الأمر، وهم أول من يموتون عند الحرب، ويجوعون حينما تتوتر الأحوال الاقتصادية.
الناس كانوا يعانون الأمرين نتيجة سوء الأحوال المعيشية فرحبوا بالصلح حتى ولو كان مع الشيطان بحثاً عن واقع أفضل. خرجت مصر من الحرب منهكة اقتصادياً، فجاء السادات يعد الناس بالرخاء، بشرط التخلص من فكرة الحرب التى أنهكت الجميع، وجد الناس أن الكلام معقول جداً، فقبلوا خطوته وأيدوها، بما فى ذلك أفراد من النخب التى لم تزل تحتفظ بمخزون شعارات يحول بينها وبين قبول فكرة الصلح مع العدو، لكنها رحبت بالأمر من داخلها، وتمنت حلاً للمشكلة الاقتصادية يوقف غول الغلاء، والانخفاض المستمر فى الدخل الذى تقل قيمته مع طلعة كل نهار بسبب ارتفاع الأسعار. جاء السلام، لكن الرخاء لم يأتِ إلا لحفنة قليلة من رجال الأعمال والمحيطين بالرئيس، أما بقية الشعب فقد واصل دفع ضريبة المكتوب عليه منذ الأزل فتحمل أعباء وتحولات السلام، كما تحمل من قبل فاتورة الحرب، بشرياً واقتصادياً.
لا يجد أبناء وأحفاد حامد برهان وسنية المهدى سوى بيع بيت حلوان القديم فى «بورصة المال والأعمال»، كحل أمثل لمشاكلهم الاقتصادية، يواجهون الأم بما عقدوا العزم عليه فتباغتهم بالقول: «لقد ضقتم بحياتى»، يهزهم قولها بعنف، لكن حاجتهم إلى المال كانت تهزهم بشكل أعنف. تقاوم العجوز ببسالة فكرة بيع البيت الذى ورثته عن أبيها، ويواصل الأبناء والأحفاد رحلة «التأرجز» من أجل الحياة، خصوصاً أن الكثير من القيم الثابتة اهتزت بعنف أمام الزحف الخليجى على القاهرة، والدعوة إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتراجع دور الدولة، وتحولها من فكرة الرعاية إلى فكرة الجباية، يجرف سيل التحول الجميع، وتزمجر رعود. فى إحدى الليالى الممطرة يتجمع أفراد الأسرة، كما تعودوا، فى البيت الكبير، تبرق رعود، وتضىء السماء بروق، تعطل الجميع عن العودة إلى بيوتهم فيسألون الأم: «متى يختلف الحال؟»، فتجيبهم: «عندما تهدأ الرعود»، إن هى إلا ساعة زمن!