«كشك الفتوى» بالمترو: الدخول بالبطاقة.. والإجابات مجانية
عضوا اللجنة يستمعان إلى سؤال أحد المواطنين
فى البداية حسبه كشكاً لبيع منتج ما، حيث توحى الأكشاك المجاورة فى محطة مترو الشهداء بذلك، لكن النقوش الإسلامية والنجوم الثُمانية عليه دفعته للاقتراب حتى يُشبع فضوله، ولأنه لا يقرأ ولا يكتب، فلم يميز جملة «لجنة الفتوى»، وما إن صار بينه وبين الكشك أمتار قليلة حتى وجد اثنين يرتديان زياً أزهرياً، فألقى عليهما السلام وانصرف: «هبقى أدور لكم على سؤال وآجى فى يوم تانى».
110 أسئلة متوسط ما تتلقاه اللجنة يومياً.. ومعظمها عن الطلاق والمواريث والمعاملات المالية وحلف اليمين
يثمّن عبدالباسط سلامة، أحد باعة الخردوات برمسيس، فكرة اللجنة، التى بدأت عملها الأحد الماضى، فالرجل يشاهد عبر برامج فضائية سيلاً من الفتاوى لم يستطع يوماً أن يشارك فيها: «كنت بوفر الاتصال، وساعات كنت ببقى ناوى أروح الأزهر بس بكسل بصراحة، دلوقتى الموضوع أسهل»، قالها الرجل الستينى بينما كانت سيدة تحمل «طشت» معدنياً، تقف على باب اللجنة الصغيرة مستأذنة: «يا عم الشيخ ممكن أدخل»، ليشير لها أحد الاثنين بالدخول موجهاً إياها للجلوس، لكن الشيخ شريف أبوحطب، طلب منها فى بادئ الأمر البطاقة، لتظهر على وجه السيدة علامات الدهشة: «بطاقة ليه يا فضيلة الشيخ، هو أنا داخلة قسم لا سمح الله؟»، ليبتسم لها عضو لجنة الفتوى، مؤكداً أنه يحصل على الاسم ويأخذ من السيدة رقم الهاتف، ويسجل الفتوى ثم فى النهاية توقع السيدة على الفتوى، لتمر لحظات من الصمت على وجه السيدة، ثم تسأل: «طب وليه ده كله؟»، ليجيبها «أبوحطب»: «عشان لو احتجنا نرجع لك تانى فى توضيح فتوى، وعشان بنعمل إحصاء لعدد الفتاوى اليومية». الشيخ شريف أبوحطب، خريج كلية أصول الدين، وبجواره الشيخ محمد عبودة، خريج كلية الدعوة، وكلاهما يعمل واعظاً بالأزهر الشريف، وعضواً بلجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية، يهندمان كل لحظة العمامة، ويبتسمان فى وجه كل سائل، متمنيين أن تنجح الفكرة التى ستؤدى فى النهاية إلى توقف الناس عن سؤال من لا حق لهم فى الإجابة.. «المحطة مركزية وآلاف الناس بتعدى، ورغم إننا فى الأول بس يومياً فيه متوسط 110 فتاوى»، قالها الشيخ محمد، مشيراً إلى أن اللجنة المصغرة لها 3 أفراد فى إحدى فترتَى اليوم: «يعنى بمعدل 36 شخص أسبوعياً بالتناوب لأن فيه مشرف مع كل اتنين، ويوم الجمعة إجازة». طابور صغير إلى جوار اللجنة، يتحدث الناس مع بعضهم البعض قبل دخولهم إلى الشيخين، وأبرز ما تحدثوا عنه سهولة الوصول إلى اللجنة واليقين التام بأن الفتوى التى ستصدر عنهما أفضل بكثير من تلك التى ستصدر عن شخص آخر بأحد المساجد لا علاقة له بالإفتاء.. «أنا بصراحة مبسوط جداً، وفيه فتوى بقالى كتير عاوز أسألها، ودلوقتى لقيتها فرصة»، يحكى صلاح عبدالحميد، مضيفاً: «بس مش عارف هما هياخدوا فلوس منى ولا إيه بالظبط»، ليبتسم شاب صغير واقف إلى جواره قائلاً: «ببلاش يا عم الحاج، مفيش فلوس هنا الحمد لله». كثيرون يدخلون إلى اللجنة لمجرد السلام على الشيخين، وآخرون يعرضون خدماتهم، فأحدهم قال بأنه سيشترى لهما الشاى وآخر قال لهما إذا احتجتما شيئاً من الخارج فأنا فى الخدمة، وهى أمور يراها الشيخ أبوحطب مبشرة، رغم أنه لا يقبلها: «رغم إن الناس بتيجى تسأل عن فتاوى، بس أغلب الأسئلة عن مشاكل، يعنى يقول لى مش عارف أصالح مراتى، وعشان كده لازم نكون على اطلاع كامل بحاجات كتير فى الحياة، وبنطلع على كتب مختلفة مش بس للفتاوى»، ليضيف الشيخ محمد عبودة: «أكثر الفتاوى اللى بتجيلنا عن الأسرة ومشاكل الناس فى البيوت، وكتير منها بتبقى مش فتاوى على قد ما هى مشاكل الناس بتحب تحكيها وتاخد رأينا»، موضحاً أن بقية الفتاوى تذهب إلى المعاملات المالية والزواج والطلاق والمواريث وحلف اليمين: «ناس كتير جداً سألتنا عن المواريث وعن البنات وحقوقها، وبنحاول قدر الإمكان نوصل لهم المعلومة صح عشان مايبقاش فيه ظلم، وكتير منهم شكرونا وقيّموا تجربتنا بأنها ممتازة». لكن كثيراً من الأسئلة التى وردت إلى الشيخ مضحكة تنم عن غياب الثقافة الدينية: «فيه أسئلة عن حاجات فيها خلاف بسيط لا يُذكر، زى السبحة وسجادة الصلاة، وأمور تانية عظيمة زى الطلاق والمواريث». «من قال لا أعلم فليسأل من يعلم» قاعدة متبعة داخل اللجنة، فإذا ورد سؤال لم يستطيعا الإجابة عنه، فإنها تسجل فى دفتر، ويؤخذ رقم هاتف صاحبها، ومن ثم يتم إبلاغه بالفتوى، أو يقوم أحد أعضاء اللجنة بالاتصال باللجنة المركزية ومعرفة الجواب: «ماينفعش نبقى زى غيرنا من اللى بيضللوا الناس ويقولولهم أى كلام، إحنا هنا عشان نحارب الفتاوى الضالة اللى بتيجى من غياب المعرفة وضحالة الفكر، وبالتالى نرجع لأساتذتنا لو فيه حاجة ماعرفنهاش» يحكى الشيخ أبوحطب، متذكراً أحد الأشخاص حين سأله عن أمر، ولما أجابه قال: «أنا بقالى سنين عايز أسأل بس بكسل»، متمنياً أن تنتشر مثل هذه اللجان فى الكثير من الأماكن التى يتكدس بها المواطنون: «ميزة المكان هنا إن كل الناس بتعدى منه، اللى من الصعيد واللى من بحرى». أحد الشباب وقف طويلاً أمام الكشك منتظراً دوره، وحين سأله الشيخ عن سؤاله، أخبره أنه لا يملك واحداً، لكن له مقترح: «يبقى فيه كنبة صغيرة عشان كبار السن يقعدوا عليها لما يكونوا مستنيين دور» ليجيبه عضوا اللجنة بالموافقة: «إن شاء الله هنطلب ده وهيتحقق».