لم يعد لأهالى قرى ومدن طريق «المنزلة- المنصورة» من سبيل سواك، ولم يبقَ لهم من يخاطبونه غيرك، وليس لهم من باب يقفون عنده ويطرقونه سوى بابك، فقد عزت عليهم أبواب كل المسئولين، الذين صموا آذانهم صدوداً. وكتبنا وكتب غيرنا عن طريق الموت، بدايته من مدينة المنزلة، مروراً بمدينة الكردى ومنية النصر ودكرنس، وصولاً إلى مدينة المنصورة محافظة الدقهلية، وقرأت كل عيون المسئولين عن عشرات الحوادث، وموت المئات وإصابة الآلاف من ضيق الطريق، وازدحامه وتكدس السيارات المختلفة عليه ليل نهار، وسمعت آذان الدنيا كلها صراخ اليتامى والثكالى، وقلنا فى كل حادث يمر ربما يسمعون بكاء الأبناء والأمهات والآباء فى المرات المقبلة، فيتحركون أو يستجيبون، لكن آذانهم صم لا يسمعون قديماً أو حديثاً، وعيونهم عميت فلا ترى الأمس ولا اليوم ولا الغد. مات يا سيدى من مات، وصرخ من صرخ وتيتم من تيتم، وفقدنا شباباً فى عمر الزهور، آخرهم من مدينتى الكردى بالأمس القريب، وسبقه من نفس المدينة وحيد أبويه، وقبلهما بمدة بسيطة كان الضحايا أربعة من أسرة واحدة، منهم عروسان ليلة زفافهما، زُفّا إلى الحياة الآخرة، وكثيرون لا مجال لذكرهم، كل هؤلاء فى وادٍ وعمالك ومسئولوك فى وادٍ آخر، حتى تمنى الناس للمسئولين فى المحافظة أن يذوقوا بعضاً مما أذاقوه للناس من الإهمال والاستهتار والتجاهل، ربما يتحركون أو يستجيبون، لكن لعل هذا الأمر أكبر من قدراتهم وإمكانياتهم فيلجأ الناس إلى الرئيس. هذه أمانة أحملها من أهالينا فى مدن الدقهلية إليك، وأضعها بين يديك، وهذا حقهم يا سيدى، أن يعود أولادهم وأهلوهم إلى بيوتهم دون موت أو إصابة أو عجز، وأن يطمئنوا على من يخرج أن يعود إلى بيته فى أمان. هذا الطريق يا سيدى هو أقدم الطرق فى محافظات مصر وأسوأها على الإطلاق، يخدم أكثر من مليونى مسافر يومياً، ينتقلون بين المدن المنتشرة على جانبيه، وهى من أكثر المدن ازدحاماً وتكدساً بالسكان، تبدأ من مركز المطرية على بحيرة المنزلة ومدينة المنزلة ومدينة الجمالية وميت سلسيل مروراً بمدينة الكردى، ومنية النصر ودكرنس وميت فارس حتى مدينة المنصورة، وبين كل مدينة وأخرى عشرات القرى والكفور، التى ينتقل سكانها إلى الطريق ذاته بمواصلاتهم الخاصة، فيصبح ويمسى من أكثر الطرق ازدحاماً فى البر المصرى كله، سيارات النقل من مدينة المطرية التى تنقل الأسماك من بحيرة المنزلة إلى مدن كثيرة، وسيارات النقل من مدينة المنزلة وما أكثرها، والموظفون وطلبة المدارس والجامعات والمعاهد الدينية وأصحاب المصالح والحاجات كل هؤلاء على طريق واحد ذى اتجاه واحد، يتخلل بيوت الناس ومحلاتهم، يسير ويتلوى مع البيوت من ضيق إلى أضيق، ويسير مع أحوال الناس من سيئ إلى أسوأ، ويطبع الناس عليه للأسف أسوأ ما فيهم، من تعدٍّ على حرم الطريق فيضيقونه على الناس أكثر، ويفترش الكثير منهم جوانبه للبيع والشراء فيزداد سوءاً على سوء، وزحاماً على زحام، فضاقت الطرق وانتشرت الفوضى وأصبحت المخالفات والشغب مخرجاً للناس من الزحام، وحلاً وحيداً ومسموحاً به للخلاص من رعونة الطريق، ولن ترى معنى لـ«اختلط بالحابل بالنابل» إلا كما تراه فى هذا الطريق واضحاً جلياً. إن المخاطر التى يواجهها أبناؤنا على هذا الطريق تتمثل فى حجم الكوارث التى تحدث يومياً وعدد الضحايا الذين يصبح الناس ويمسون فى انتظار دفنهم حين وصول الجثامين.. الموت على الطريق أصبح مألوفاً عندهم، وكتاباً مقرراً كل يوم، وصفحة للوفيات محجوزة كل يوم لأحد أبنائهم. هذا الطريق قديم قدم أعمارنا، فقد كنا صغاراً وكان كبيراً على صغر أجسادنا، وحين كبرنا رأيناه على كبره هذا صغيراً وضيقاً وضئيلاً، لا يستوعب صغار اليوم أو الغد، وزاد عدد السكان أضعافاً مضاعفة وزادت الحركة التجارية بين المدن والقرى وهو كما هو ينقص ولا يزيد، ويتآكل ويضيق ويزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وكان من مصلحة الناس أن يزيد بزيادة عدد السكان وحجم الأعمال التجارية بين المدن من ناحية وبين المحافظة والمحافظات المجاورة من ناحية أخرى، إلا أنه واقف كما هو من نصف قرن، كبرنا وكبر معنا وهرمنا وهرم معنا ونخشى أن يموت معنا يوماً ما. أما عن مصيبة الطريق المضاعفة فهى الوصلة ببن مدينة منية النصر ودكرنس ويسميها الناس (وصلة الموت)، التى تشهد حالات غرق فى البحر الصغير كل فترة قصيرة، نتيجة ازدحام الطريق وضيقه من ناحية وكثرة منحنياته الخطيرة من ناحية أخرى، ولا يوجد ساتر خرسانى بينه وبين البحر الصغير، وهذا هو أضعف الإيمان إذا فكر المسئولون فى المحافظة لدقيقة واحدة وكان الناس لهذا شاكرين وحامدين.
الناس يا سيدى يأملون فى طريق مزدوج يربط المنزلة بمدينة المنصورة مروراً بالمدن المذكورة، يحقق لهم الأمان من ناحية، ويساعدهم على أعمالهم ويستوعب زيادة حجمها، ويكونون لك من الشاكرين. الناس فى بلادى لا ينظرون مسافة تزيد على وقع أقدامهم إذا كان الخطر تحتها، وهم معذورون، ولا يرون حجم الطرق وتوسعاتها إذا كان طريقهم أضيق منها، فوسّعه عليهم حتى يمتد بصرهم إلى أوسعه، والأمر بين يديكم. وشكراً..