لأى مؤتمر ذى أبعاد سياسية عدد من الأهداف؛ فهو فرصة جيدة للتواصل، وبوابة لشرح الرؤى المستقبلية وتبادل المعلومات. كما أن المؤتمرات ترفع الروح المعنوية للمؤسسات والأفراد عبر خلق حالة عامة من الاطمئنان؛ كونها توضح تماسك الدولة وقدرتها على نقاش العديد من الملفات.. والمؤتمرات وسيلة وليست غاية، كما أنها ليست آلية إصلاح، بل هى مجرد نقطة نظام، فلا يجب تحميلها أكثر مما يجب.
ولعل أهم أهداف أى مؤتمر هو تقديم توصيات لمن يهمه الأمر، أما عملية تنفيذ تلك التوصيات، أو عدم الأخذ بها، فهى تخرج عن نطاق مسئولية المؤتمر نفسه، ولا يمكن عبرها الحكم على نجاحه أو فشله، فدور المؤتمر ينتهى مع آخر أيامه. ولعل أفضل مثال لما سبق هو «مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى»، المعروف اختصاراً بـ«المؤتمر الاقتصادى»، الذى أقامته مصر فى مارس من عام 2015.. وهو أحد أنجح المؤتمرات بكل تأكيد، وضم نحو 2000 مشارك من 112 دولة حول العالم.. لكن توصيات ومشروعات هذا المؤتمر اصطدمت بواقع مؤلم غابت فيه جهة تواصل محددة مع المستثمرين، ووجد فيه قانون استثمار مستحدث لم يلق حقه من الرواج والمناقشة، وحضرت بيروقراطية وفساد يكفيان أهل الكوكب بالكامل، مع مجموعة وزارية اقتصادية لم تتمكن من بلورة رؤية واضحة.. كل هذا أدى إلى أن كل ما انتظرناه من «عقود» بقى مجرد «وعود».
أما عن مؤتمرات الشباب، فالحديث ذو شجون.. الشباب المصرى سلاح ذو حدين؛ فهو فرصة للتقدم من جانب، وخطر تدميرى من جانب آخر. وخلال فترة طويلة سابقة لم تنتهز الدولة الفرصة لكنها ظلت تخشى الخطر، ولذلك كانت طوال الوقت تطرح أفكاراً احتوائية مثل الجمعيات والمؤتمرات.
بدأت مؤتمرات الشباب كفعاليات ذات نوايا طيبة وأهداف غير واضحة، حتى بدا الأمر أنها تجميع لكتلة بشرية ضخمة فى مكان ما لتبيان أن «كل شىء تمام».. ومع الوقت بدأ الأمر يتبلور فى إطار أكثر جودة، وتحولت تلك المؤتمرات إلى فرصة جيدة للتواصل وتبادل الآراء على أعلى المستويات، لتقترب دائرة السلطة من دائرة الحُكم، وهو اقتراب محمود تنتج عنه أفكار جيدة تنتظر التنفيذ.
خلال شهور، وعلى طريقة المحاولة والخطأ، وصلت مؤتمرات الشباب فى مصر لمستوى جيد من حيث الشكل والمضمون، وأعطت للناس فرصة للإطلال سريعاً على عالم صناعة القرار. لكن تلك المؤتمرات فشلت حتى الآن فى تسويق نفسها! فرجل الشارع يظن أنها وسيلة إصلاح، وينتظر ما سيحدث بعدها مباشرة، فلا يجد شيئاً، فيبدأ الهجوم عليها من مقاربة أنها أمر مُكلف لا يُجدى نفعاً (بالمناسبة: الدولة لا تتحمل الكثير من المبالغ فى تلك المؤتمرات كما يظن البعض).. وبالتالى فعلى مؤتمرات الشباب، التى تحاول جاهدة الترويج للدولة، أن تروج لنفسها قليلاً، كى لا يظلمها الناس ويرفعون سقف طموحاتهم منها فتكون هناك خيبات أمل مصطنعة ومتتالية ولا لزوم لها لأنها من بناء خيال يُحمّل المؤتمرات أكثر مما تحتمل.
ينطلق مؤتمر الشباب الجديد يوم الاثنين المقبل، فى مكتبة الإسكندرية، التى عليها الفترة المقبلة عبء كبير فى دعم الدولة، ولديها مقومات أن تصبح قوة موازية لوزارة الثقافة التى تعانى بشدة من الترهل الحكومى الذى طال معظم المؤسسات حتى تحولت إلى أجساد ضخمة غير قادرة على الحركة والإنتاج.. نتمنى للجميع التوفيق، وللمؤتمرات الترويج لنفسها قبل أى شىء.