لدينا مشكلة أساسية فى عدم التفرقة بين مفهومى الفرد والمؤسسة، وعدم وضع فواصل ثابتة بين كلا المفهومين. مؤكد أننا متفقون أن الفرد «عقل ووجدان»، فهو يتحرك بفكر تحكمه اعتقادات، وبنوازع عاطفية تحركها اتجاهات. والفرد «سلوك»، والسلوك فى النهاية يتأسس على التركيبة العقلية والنفسية للفرد، أما المؤسسة فكيان يجمع بين مجموعة من الأفراد، والمفترض أنها محكومة بمجموعة من القواعد والمعايير التى تحكم أداءها لدورها، والحكم عليها أساسه النظر إليها ككيان كلى متماسك يتشكل من مجموعة من الأفراد الذين يؤدون مهمة معينة. عندما تولى الرئيس السادات الحكم رفع شعار «دولة المؤسسات»، رفعه فى مقابل رؤيته للتجربة المصرية فى عصر الرئيس جمال عبدالناصر، حيث كان يعتبرها «دولة فرد»، لذلك عزف على الوتر النقيض، مثلما فعل فى سياقات عديدة أحب أن يتناقض فيها مع ما كان سائداً أيام «عبدالناصر». لم ينجح «السادات» فى بناء دولة مؤسسات، وانتهت دولته من حيث بدأت التجربة الناصرية عند «دولة الفرد».
منذ السبعينات وفكرة «الفرد والمؤسسة» متأرجحة فى أذهان المصريين، ومع هذا التأرجح انتعش الخلط وذابت الحدود الفاصلة بين المفهومين، وتورط البعض فى الحكم على مؤسسات بسلوك أفراد، فى حين دافع البعض عن المؤسسات ملتمساً منهجاً عجيباً يقوم على اتهام كل من يوجه نقداً إلى فرد بأنه يريد النيل من المؤسسة. بإمكانك أن تجد أمثلة على ذلك فى نواحٍ عديدة من حياتنا. يحدث مثلاً أن يقتل شرطى مواطناً، فتجد أنصار فكرة «الفرد» يتهمون المؤسسة، رغم أن التورط فى مثل هذا الفعل يرتبط بتركيبة «عقلية ونفسية» محددة وأداء فردى معين، وما ينطبق على الشرطى الذى يقتل مواطناً، ينطبق أيضاً على الطبيب الذى يقتل مواطناً، والمحامى الذى يتسبب فى إعدام مظلوم، والشاب الأرعن الذى يزهق روح مواطن يسير فى الشارع تحت عجلات سيارته. هذا السلوك يرتبط بفرد، يصح أن ننتقده أو ننبه إليه حتى لا يتحول إلى ظاهرة تهدد المجتمع، لكن الاستناد إليه فى اتهام المؤسسة برمتها أمر غير موضوعى. فى المقابل تجد أنصار «فكرة المؤسسة» يرغون ويزبدون عندما يوجه نقد إلى سلوك فردى معين أو حماقة ارتكبها شخص ينتمى إلى مؤسسة ما، زاعمين أن هذا النقد هدفه النيل من المؤسسة وهد كيانها، ويعتبرون أنفسهم «أهل خير» فى مقابل «المغرضين»، وحقيقة الأمر أن الطرفين جانبهما التوفيق فى الحكم على الأشياء.
الأساس فى الحكم على المؤسسة يتحدد فى معايير، وليس فى سلوك فردى، ونقد سلوك الأفراد المنتمين إلى المؤسسة من الواجب أن يلفت اهتمام القائمين عليها، وتفهمه فى إطار الرغبة فى تحسين الأداء، وليس النيل من المؤسسة ذاتها. ورد الفعل الأوجب فى مثل هذه الأحوال هو تطبيق معايير المؤسسة فى محاسبة من يخرج أو يشذ عن القواعد المنظمة لأدائها، ضماناً لسلوك أفضل فى المستقبل لا بد أن يحكم أفرادها، وصورة ذهنية أكثر إيجابية يجب أن تمتاز بها فى المجتمع.