مع الحروب الشرسة التى يخوضها الشعب المصرى ضد الإرهاب ما زالت الدماء الشريفة تنزف، والشهداء والمصابون من أبنائنا فى الجيش والشرطة والمدنيون يقدمون أعظم التضحيات دفاعاً عن الوطن والحق والحرية. ومع كل حادث إرهابى خسيس يثور بركان الغضب الإنسانى فى قلوب وعقول المصريين طلباً للثأر ورغبة فى المشاركة الشعبية الفاعلة فى مواجهة هذا العدو الملعون الذى ينال فى صمت وجبن من المدنيين والعسكريين. وتبدو حالات رد الفعل الشعبى التى نتابعها طوال السنوات الأربع الماضية محصورة فى نطاق الغضب وصبّ اللعنات ومواساة أهالى الشهداء والمصابين والدعاء الصادق إلى الله سبحانه وتعالى أن ينصرنا على هذا الوباء الحيوانى البربرى الذى يتشح بشعارات دينية زائفة والمدعوم بتمويل ضخم من دول الشر فى العالم، وما زال ينخدع الشباب بخدعة التدين أو تحوله الأموال الحرام إلى عدو حيوانى يقتل أهله ويخون وطنه.
وجميعنا يرى ذلك واضحاً فى نوعية العمليات الإرهابية القذرة وطبيعة من ينفذونها والأهداف التى يحاول الإرهاب أن ينفذها، ويشعر كل فرد من الشعب بغصّة لأنه لا يقوم بدوره على الوجه الأكمل فى محاربة الإرهاب ويتمنى أن يعرف الأساليب التى يمكن أن يساعد بها الوطن لسحق هؤلاء الأعداء الذين يعيش بعضهم بيننا -للأسف- ولا يشعر بهم أحد إلا بعد وقوع الحوادث.
وقد كتبت كثيراً طوال الأعوام الأربعة الماضية عن أهمية تفعيل دور الجبهة الداخلية الشعبية الواعية والمنظمة والقادرة على أداء أدوار متعددة فى الحرب ضد الإرهاب، لكن البعض لا يعى أهمية هذا، أو ربما لا يعرف كيفية تنفيذه عملياً، أو ربما يرى فى الشعب مجرد أرقام وأعمار ومهن واحتياجات، ولا يعرف أن الشعب قادر على أداء الكثير من الواجبات الاجتماعية التى فى مقدمتها دائماً حماية المحروسة من أى عدو.
وفى كل الحروب التى شهدها العالم قديماً وحديثاً نرى إجماعاً من المؤرخين على أن الدولة التى تنجح فى بناء جبهة داخلية صلبة وقوية وفاعلة أثناء الحرب هى التى تحقق النصر دائماً.. ويمكن لهواة البحث فى التجارب الأجنبية أن يكتشفوا ذلك فى انتصار فرنسا وبريطانيا ودول الحلفاء بعد الهزيمة من ألمانيا ودول المحور فى الحرب العالمية الثانية، فلا يمكن لجيش مهما كانت قوته أن يصمد وينتصر بلا ظهير شعبى لا يُقهر ويساند جيشه دائماً.. ومن يريد أمثلة من مصر فله أن يتابع كيف شكّل شعب المحروسة جبهة داخلية لا تُقهر أمام غزو نابليون، ثم بعد هزيمة عرابى واحتلال الإنجليز لمصر، ثم أثناء الحربين العالمية الأولى والثانية، ثم التجلى الأعظم لقوة الجبهة الداخلية المصرية بعد هزيمة 1967 (تجربة أحمد شهيب فى حماية القاهرة بعد يونيو 1967 نموذج من آلاف النماذج) وصولاً إلى حرب الاستنزاف، ثم النصر العظيم على الصهاينة وحلفائهم فى أكتوبر 1973.. وفى مواجهة الإرهاب حققت الجبهة الداخلية الشعبية للمصريين انتصاراً مبهراً فى يونيو 2013 عندما أسقطوا مبكراً قيادة الإرهاب فى مصر والعالم.
وغنى عن البيان أن الدول العربية الشقيقة التى فشلت فى بناء جبهة داخلية قوية ومتماسكة هزمها الإرهاب لبضع سنين. واليوم نرى أن تماسك الجبهة الداخلية الشعبية هو الذى هزم الإرهاب فى الموصل وفى حلب وبنغازى ومن قبلها فى الأردن والجزائر. كما أن الجبهة الداخلية الشعبية القوية هى التى تنقذ فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا وأمريكا اليوم من الآثار الاجتماعية السلبية التى تسببها العمليات الإرهابية هناك.
إننا فى حرب بلا جبهة داخلية، ونعانى من الآثار السلبية للإرهاب، من حزن وتخبط وزعزعة ثقة يتسبب فيها الإعلام والذين لا يعرفون معنى جبهة داخلية شعبية تواجه الإرهاب.. والشعب المصرى يمتلك تراثاً إنسانياً حياً للقدرات الشعبية فى مواجهة كافة أشكال الأعداء والانتصار عليهم.. فقط يريد الشعب من يوظف هذه القدرات فى أطر منظمة فاعلة يكون الشعب فيها هو الفاعل الأول وصاحب المصلحة الواعى وليس المنفذ الجاهل.. لقد آن الأوان لتفعيل آليات الحرس الوطنى والدفاع الشعبى التى تطبق فى كل دول العالم.. رحم الله الشهداء الأبرار وشفى الله المصابين.. والله غالب.