هل سمعت عن جهاز كمبيوتر يعمل دون برنامج (سوفت وير)؟ بالتأكيد لا. بدون برنامج التشغيل (سوفت وير) سوف يبقى الجهاز فى حوزتك جثة هامدة، مهما كانت إمكاناته ضخمة وكبيرة.
ما يسرى على جهاز الكمبيوتر العاطل عن العمل بسبب عدم تحديثك لـ(السوفت وير) الخاص به، أو بسبب عدم وجود سوفت وير من الأساس، يسرى أيضاً على الدول والمجتمعات، وبدون فلسفة واضحة للدولة والمجتمع، وبدون رؤية فكرية واضحة تقول لنا أين كنا فى الماضى؟ وأين نقف حالياً؟ وأين نريد أن نصبح فى المستقبل؟ فإن مصر ستظل، مثل جهاز الكمبيوتر العاطل عن العمل بسبب عدم البدء فى تشغيل (السوفت وير) الخاص به.. ذلك أننا بعد ثورتى يناير ويونيو أصبحنا نعرف أين كنا، لكننا فى حاجة أيضاً لأن نعرف أين سنكون؟ وكيف سنكون فى الموضع الذى نريد.
لقد تعرضت الشخصية المصرية طوال الأربعين عاماً الماضية لعوامل تعرية مختلفة، وتعرض العقل المصرى لموجات غزو ثقافى واجتماعى ضارية، وأدركنا جميعاً هذا بعد ثورتى يناير ويونيو، لكننا لم نعرف ما خطتنا لمواجهة هذا؟ تحركت مظاهرات المصريين ومن بعدها قواتنا المسلحة لتستعيد الدولة المصرية أو (جهاز الكمبيوتر) ويصبح فى حوزتها.. لكن أحداً لم يضع برنامج (سوفت وير) جديداً!
لم يقل أحد للمصريين ما فلسفة الثورة الجديدة، ولا كيف ترى مصر والمصريين، ظهرت إنجازات على أرض الواقع لا ينكرها إلا مكابر، وتعاظم دور مصر فى إقليمها بكل تأكيد، لكن أحداً لم يشرح للمصريين ماذا نفعل الآن، والى أى شىء نريد أن نصل غداً.. وكان الخوف من (أهل الشر)، وهم حقيقة موجودة، سيطر على أذهان الدولة ومنعها من أن تشرح إلى أين نسير ووفق أى فلسفة، وإلى أين نريد أن نصل؟
ولعل الحقيقة الوحيدة بإطلاق طاقات المصريين لا يمكن أن تتم دون إصلاح ما فسد من الشخصية المصرية طوال السنوات الماضية، والحقيقة أيضاً أنه كما أننا بدأنا وبحسم فى تطبيق برنامج إصلاح اقتصادى قاس ومر، لأنه ضرورة لا مفر منها، فإن علينا أن نبدأ فوراً فى إطلاق ثورة للإصلاح الاجتماعى، تصلح ما تم إفساده فى الشخصية المصرية والعقل المصرى، وتعمل على إصلاحه عبر برامج الإعلام والتعليم والثقافة، ولعل شيئاً من هذا هدف إليه مشروع د. أحمد عكاشة، ومجلسه الاستشارى، الذى أعد مشروعاً عن (أخلاق المصريين) لم يعرف للنور طريقاً بعد أن هوجم قبل أن يقرأه أحد، أو يعرف عنه أحد.. ولعل ذلك الهجوم دون تبصّر هو فى حد ذاته من أخلاقنا السيئة، التى باتت فى حاجة إلى إصلاح فورى!!