إطلاق اسم محمد نجيب على القاعدة العسكرية التى افتتحها الرئيس مؤخراً دفع باسم الرجل من جديد إلى سطح الأحداث. رغم أن الجنرال «نجيب» كان أول رئيس للجمهورية، حين إعلانها عام 1953، فإن أجيالاً كثيرة ممن ولدوا فى الستينات والسبعينات، تعلمت أن جمال عبدالناصر هو أول رئيس لمصر بعد الثورة، حتى أدركت خطأ المعلومة مؤخراً، ووعت أن كتب التاريخ التى تدرسها أحياناً ما تسقط منها معلومات لحسابات معينة.
كان «نجيب» أول شخص يستبعد من مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، ليحكم من بعده «عبدالناصر» و«السادات»، وظل حياً لعدة سنوات بعد رحيلهما، رغم أنه كان يكبرهما فى السن.
«عبدالناصر» هو مَن أسس تنظيم الضباط الأحرار، هذه حقيقة يجمع عليها أغلب المؤرخين، واللواء محمد نجيب كان مجرد ستارة يتحرك من خلفها مجموعة الضباط الصغار الذين قاموا بالثورة.
من داخله -وكما تعكس مذكراته- لم يكن «نجيب» يعتقد فى حدوتة «الستارة» تلك، وينكر ما كان يراه الجميع. كان «نجيب» يريد السلطة، لكنه لم يكن يمتلك أدواتها بما يكفى، عاش نشوة الإحساس بالرئاسة والذوبان فى الجماهير ومبادلتهم التحية عندما يهتفون باسمه، فى وقت كان فيه جمال عبدالناصر يخطط بدأب للجلوس مكانه، مراهناً فى ذلك على سيطرته على مجلس قيادة الثورة من ناحية، وعلى سيطرته على الجيش من ناحية أخرى، فى وقت كان يراهن فيه «محمد نجيب» على شعبيته فى مصر والسودان من ناحية، واستقوائه بجماعة الإخوان من ناحية أخرى، ولم يكن دعم «الجماعة» له ناتجاً عن الإيمان بشخصه وبما كان ينادى به من أفكار ديمقراطية، تدعو إلى رجوع الجيش لثكناته وعودة الحياة السياسية، قدر ما كان سببه إحساس ترسّخ لدى قياداتها بأن النفاذ من خلال «نجيب» أسهل بكثير من «النفاذ» عبر «عبدالناصر»، لأن الأخير كان يريد سلطة منفردة، لا يشاركه فيها أحد، ولا وصاية عليه فيها من أحد.
عقدة ذنب عاش بها محمد نجيب ارتبطت بتصديقه على إعدام العاملين «خميس والبقرى». وكانا من ضمن المشاركين فى الاحتجاجات التى قام بها عمال كفر الدوار عام 1952، وتم القبض عليهما ومحاكمتهما فى ساحة المصنع محاكمة عسكرية على يد عبدالمنعم أمين، أحد الضباط الأحرار، ومن كوادر جماعة جماعة الإخوان، وحكم بالإعدام على العامل محمد مصطفى خميس (19 سنة) ومحمد عبدالرحمن البقرى (17 سنة)، وكما كان القاضى من الكوادر الإخوانية، سارع منتمون ومتعاطفون مع جماعة الإخوان إلى مطالبة الضباط باستخدام أعلى درجات القسوة مع أى احتجاجات، وتستغرب أن من بين من دعوا لذلك الأستاذ سيد قطب، وقد قضى بعدها بحكم بالإعدام أصدرته المحكمة العسكرية التى مثل أمامها عام 1965.
لم يتردد «نجيب» فى التصديق على حكم الإعدام ليتم تنفيذه ويقتل العاملان مظلومين، وبعدها بما يقرب من عام ونصف اتخذ قراراً بإقالة محمد نجيب من منصبه كرئيس للجمهورية، وتم تحديد إقامته فى فيلا زينب الوكيل بحى المرج، ليقضى فيها بقية سنوات عمره حتى توفى عام 1984.. فليرحم الله الجميع.