بقلب أم عشقت التاريخ حكاية على أكتاف والدها وهى طفلة، كتبت على صفحات الوطن منذ ثلاثة أعوام مقالاً بعنوان «طبعاً فيه أمل.. عيالنا فى الحربية».
عبرت فيه من جانب عن تجربتى كأم التحق ابنها الوحيد بالكلية الحربية فى ظروف ليست بالسهلة، ومن جانب آخر عبرت فيه عن تمسكى بالأمل فى بلادى ومؤسستها العسكرية التى تنبت أرضها الصلبة رجالاً ارتبطت بهم عزة بلادى منذ فجر تاريخها.. وما أسرع دورة الزمن.
ثلاث سنوات لم تكن باليسيرة على بلادى فى كل المجالات، ثلاث سنوات مليئة بمشاهد امتزجت فيها دموع القلق من تحديات واجهناها فى الداخل والخارج، بدموع الشكر لله على كل إنجاز حققناه رغم الفساد والإرهاب والتآمر. ثلاث سنوات كان يقينى يزداد فيها بقوة قضيتنا وأنا أرى بعينى ما يطرأ على ابنى وإخوته فى الكليات العسكرية من تغيرات فى الفكر والبنية والرؤية، عابرة بهم من مرحلة الصبا لرجولة مشتدة العود يميزها الإحساس بالمسئولية.
ثلاث سنوات منحتنى فيها الأقدار شرف الحديث لهم فطفت بين كلياتهم أحكى التاريخ قصة والسياسة تفاصيل على الخريطة والاستراتيجية فيلماً مصوراً، عارضة لهم كيف يفكر من أراد بهم سوءاً.
ليزداد يقينى أننى لم أعد فقط أماً لمقاتل مصرى واحد بل لجيل كامل لبلادى حق الفخر به. نعم أحاطنى فلذات كبدى بكل مشاعر البنوة والتفهم لما أحكى عنه دون أن يعلموا أنهم كانوا مصدر كل طاقات الأمل بداخلى بأن مصر لن تركع ولن تفنى ما دام فيها من هو مثلهم.
ويحين موعد حصادى لنبتى فى أرض عامرة بالتاريخ والمعجزات منذ فجر الضمير. فأتيقن أن أملى لم يكن سراباً ولم يكن وهماً زائفاً صوّرته أمانى قلب الأمومة بل كان قراراً وفعلاً موثقاً فى سجل التاريخ.
يوم السبت 22 يوليو 2017 حفلة تخرج الكليات العسكرية مجتمعة لأول مرة من قلب قاعدة عسكرية مصرية هى الأولى والأكبر فى الشرق الأوسط، يتم افتتاحها فى الذكرى الخامسة والستين لتأسيس الجمهورية المصرية حاملة اسم الرئيس الأول لجمهورية مصر العربية. يا الله.. وياله من إحساس يتملكك بالشكر للخالق أن منحك البصيرة بالتمسك بالأمل بينما كل ما حولك يشدك لقيعان اليأس.
نعم يا سادة واسمحوا لى بالحديث لكم مندوبة عن أمهات كثيرات مثلى سلمن أغلى ما لديهن فى الحياة لكى تحيا مصر ودون تردد.
كان يوم تخرج أبنائنا فى جميع قطاعات العسكرية المصرية يتقدمهم الدفعة 111 حربية من قاعدة محمد نجيب العسكرية بمثابة تكريم الأقدار لنا على ثقتنا فى الله وفى هذا البلد الأمين.
جرت الدموع مجدداً وعلت الأيادى بالتصفيق والحناجر بالهتاف ونحن نرى رفع العلم المصرى فوق أرض القاعدة بينما حصاد العمر يتقدم فى مسيرة عسكرية بخطوات ثابتة هاتفين: «رسمنا على القلب وجه الوطن... وصناك يا مصر طول الزمن ليبقى شبابك جيلاً فجيلاً».
تجذبنى من ذراعى «أم محمد» الجالسة بجوارى رافعة علم مصر ترفرف به يدها فرحة بفلذة كبدها، وتسألنى ببساطة فلاحة طيبة من السنبلاوين: «ألا القاعدة دى حاجة مهمة؟».
أنتبه لها وأترك الحفل وأشرح لها ما خفى عنها بأهمية امتلاك بلادنا قاعدة عسكرية لا تحمل جنسية دولة أخرى كما هو حادث فى بلاد تحيط بنا.
وكيف أن مصر تعرضت لضغوط وإغراءات لكى يكون بها قاعدة عسكرية روسية أو أمريكية ولكننا أبداً لم نسمح بها لأننا لا نمنح أرضنا لأحد مهما حدث. وكيف أن نجاة مصر من مؤامرات صيغت لها لا يعنى نهاية المطاف ولذا فإن تلك القاعدة محطة أمان وتنمية.
تسألنى ببراءة: «واحنا معانا نعمل كل ده؟». أسعى للرد عليها فيأتينا صوت رئيس بلادى وهو يقول: «حينما يسألوننى فى الخارج كيف يتحمل المصريون خطوات الإصلاح والبناء أجيب بأننى مسنود عليكم». أبتسم لها وأصمت وطاقات الأمل إشعاعات بداخلى من قلب قاعدة محمد نجيب العسكرية.