عكس التيار يسير الأزهر.. فبينما العالم كله يتجه لاستخدام التكنولوجيا الحديثة فى التواصل مع الجماهير يعود الأزهر خطوة أو قل خطوات إلى الخلف رافعاً شعار توصيل الفتوى الشرعية للناس فى أماكنها.. وربما تكون النيات طيبة والهدف جيداً، وفى كل الأحوال فالمساعى لتسهيل حصول الناس على الرأى الشرعى فى أمورهم وحياتهم مشكورة طبعاً.. لكن كثيرة هى المسائل التى لا تفيد النيات الطيبة فى الوصول إلى الأهداف المنشودة.. فالملاحظات والتساؤلات عديدة حول الفكرة.. فضلاً عن كون فكرة الأكشاك الخشبية وتوصيل الفتوى إلى العابرين لا يليق بجلال الشرع ولا يتفق بل يتناقض مع حرص الناس على الحصول على رأى الدين سعياً إليه وبالحرص على معرفته.. كما لا نعرف سر اللجوء إلى هذه الفكرة رغم التباهى السابق والدائم بوجود لجان للفتوى بالأزهر بل وبوجود أرقام هاتفية مختصرة تسهل للمواطنين الحصول على الرأى الشرعى من منازلهم وهم فى بيوتهم أو أعمالهم وبما يحفظ خصوصيتها ويبقى على الحاجز والفاصل بين طالب الفتوى ومانحها بما يسمح بالتخلى عن الحياء الذى يعلمنا ديننا أنه لا حياء فى العلم ولا فى الدين!
لجان الفتوى لا تقتصر على الأزهر.. بل هناك فى مديريات الأوقاف لجان للفتوى بالمحافظات ومسئولون عنها فى المعاهد الأزهرية بالقرى ومدن ومحافظات مصر.. فضلاً عن وجود اللجنة الأساسية المكلفة بتبيان الرأى الشرعى بدار الإفتاء فضلاً عن القنوات الدينية وأشهرها «أزهرى» و«الناس»، بالإضافة إلى البرامج الدينية الموجودة بالتليفزيون الوطنى وإذاعة القرآن الكريم وبرامج الإذاعة الأخرى والفضائيات الخاصة وتبث عشرات البرامج!
وبالتالى ففكرة الاتصال المباشر بالناس موجودة وقائمة فعلاً، وأى إضافة جديدة كانت يمكن أن تتم بموقع إلكترونى مثلاً أو صفحة على شبكات التواصل الاجتماعى، لتكتمل دائرة التواصل مع الناس وتغطى كل الوسائل الممكنة، والممكنة لكل الناس بكل فئاتها ومستوياتها وقدراتها.. وهنا نصل إلى التساؤلات: ما الهدف الأساسى لفكرة الأكشاك؟ ومع التأكيد على مبدأ حسن النية نسأل أيضاً.. هل الرغبة فى التوسع فى دور الأزهر هى السبب؟ هل كانت فكرة تم الاستعجال فى تطبيقها؟ هل تم إبلاغ أجهزة الدولة الأخرى بها أم أنه تم الحصول على موافقة مرفق المترو وحده؟ ثم لماذا أصلاً المترو وحده الذى تمت فيه الفكرة؟ أم هى ليست إلا تجربة يتم تعميمها «لو نجحت»؟ كنا نتمنى أيضاً أن نرى أكشاكاً للقراءة العامة أو لعرض أو نشر إبداع المبدعين وكلاهما غائب وربما محاصر، وتهذيب الإنسان وتثقيفه وزيادة وعيه هو الدين بعينه، بل مؤكد بهما معاً ستختفى مشاكل اجتماعية كثيرة ترهق حتى أهل الفتوى بحلها والتدخل فيها والإفتاء لأصحابها، ربما كان على رأسها قضايا الثأر والمواريث!
يوليو ويونيو
تشابه كبير ربما لا يلحظه الكثيرون بين ثورتى 23 يوليو و30 يونيو غير وصف «الأولى ثورة جيش سانده شعب والثانية ثورة شعب سانده جيشه».. فكلتا الثورتين كانت ضد نظام حكم كتب شهادة وفاته بنفسه، وكلتا الثورتين كان الإخوان طرفاً فيها وكلتاهما انتهت إلى صدام بين الإخوان والشعب كله وكلتاهما استنجد الإخوان بالأجنبى دعماً واحتماء وفراراً.. وفى كلتا الثورتين لجأ الإخوان للعنف ضد السلطة وفيهما معاً تضامن مع الشعب المصرى شعوب صديقة وحكومات تفهمت ما يجرى، وفى كلتيهما وقفت دول معادية قريبة جغرافياً وبعيدة ضد تطلعات ورغبات الشعب المصرى!
فى الأولى انطلقت الثورة تسترد للشعب ثرواته المنهوبة وكرامته المفقودة وحقوقه الضائعة حتى الأساسية منها مثل الغذاء والعلاج والسكن والتأمين من الفصل التعسفى وتحديد ساعات العمل، وفى الثانية انطلقت جهود مواجهة الفساد والإهمال اللذين «ترعرعا» فى ظروف وفرت لهما شروط الحياة والاستمرار والتمدد والتوغل إلى كل أركان الجهاز الإدارى المصرى.. وكلتا الثورتين انطلقت فى مشاريع كبرى تستنهض همم الناس وتضعهم أمام التحديات ولتعوضهم ما فاتهم عبر عشرات السنين، فانطلقتا إلى البناء والزراعة والتصنيع وكلتاهما اعتمدت على القطاع الخاص فى البداية للتنمية وللنهوض بالبلاد، واستغرق الأمر فى الأولى تسع سنوات كاملة لم تجن الثورة من القطاع الخاص ما يكافئ تطلعات التنمية، فكانت القوانين الاشتراكية عام 1961 والثانية تذلل كل المصاعب التى تقف عثرة فى طريق التنمية وتغير التشريعات وتوفر الأرض والطاقة والفرص ولكنها تهتم أيضاً باسترداد أملاك المصريين التى ضاعت وأهدرت فى مشاريع الخصخصة، وتعيد الأمل والعمل لمشروعات ومصانع مهمة توقفت أو بيعت واستردت وضخت فيها الأموال وتعمل وتربح الآن ربما قها ونيازا للمصابيح أهمها!
الفرق بين الثورتين أن الأولى ساندها دعم إعلامى هائل والثانية تعانى من غيابه.. الأولى دخلت معارك خارجية وحدت الشعب خلف القيادة، والثانية تقاتل ضد الإرهاب لكن تهدر الفرص فى معارك أخرى خارجية وداخلية كفيلة بالتفاف شعبى هائل أيضاً خلف القيادة!
التشابه الكبير يفيد أكثر بطبيعة الحال الثورة الثانية، فالدروس موجودة ومعروفة ولا حل إلا باختصار الوقت والبدء الفورى فى عملية حشد إعلامى آن أوانه، والحسم فى تصنيف الأصدقاء والأعداء، وليس بالضرورة أن يتم ذلك بصدام على الأرض وإنما ضرورى فى وضع رؤية بعيدة المدى تبنى عليها سياسات مصر كلها!
كل عام وأبناء الثورتين بكل خير.. الأولى أطاحت بأحلام وأوهام الإخوان فى السلطة، والثانية أطاحت بهم من السلطة ذاتها!