أصبح الإرهاب من بين أخطر الظواهر التى تهدد أمن واستقرار المجتمعات المعاصرة، فالإرهاب سلوك مهدد للبشرية يتسم بعدوانية بشعة تطول الأفراد والجماعات والمؤسسات على حد سواء، يتصاعد بمعدل رهيب، آثاره واضحة على فئات واسعة من البشر بل على المصير البشرى برمته، وهنا تكمن خطورة الظاهرة، حيث تترك ظاهرة الإرهاب مخلفات عديدة تشكل خطراً على البناءات المختلفة للمجتمع الذى تنتشر فيه.
وتتسبب أعمال الإرهاب كل عام فى إصابة وإيذاء الآلاف من الضحايا الأبرياء من جميع الأعراق والثقافات والمعتقدات الدينية على مستوى العالم، وفى الماضى كثيراً ما كان ضحايا الجريمة بما فيها الإرهاب هم الأطراف المنسيون فى نظام العدالة الجنائية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت قدراً من الاعتراف بحقوق وأدوار هؤلاء الفاعلين المهمين فى إطار العدالة الجنائية، ويتمثل جزء لا يتجزأ من جهود المجتمع الدولى لمكافحة الإرهاب فى تقديم مرتكبى الأعمال الإرهابية إلى العدالة ومحاسبتهم على أفعالهم بما يتماشى مع سيادة القانون وحقوق الإنسان وهو الأمر الذى يتطلب أن تتخذ الدول الأعضاء تدابير وطنية فعالة وقائمة على سيادة القانون للتحرى عن هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها ولحماية ودعم ضحايا تلك الجرائم فى إطار نظام العدالة الجنائية، ومن هذا المنطلق طلبت الدول الأعضاء من مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة فى قرار الجمعية العامة رقم 68/187 الصادر فى 18 ديسمبر 2012 من بين تدابير أخرى أن يواصل تعزيز المعارف القانونية المتخصصة من خلال إعداد أفضل الممارسات بالتنسيق الوثيق مع الدول الأعضاء فى ما يتعلق بمساعدة ضحايا الإرهاب ودعمهم، بما فى ذلك الدور الذى يقوم به الضحايا فى إطار العدالة الجنائية.
وبشكل أساسى فمع ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية زاد الضحايا من المواطنين العاديين، فضحايا الإرهاب هم من تحملوا ضرره ومن ثم فهم أصحاب الحق الأصيل فى المطالبة بتطبيق القانون الجنائى أو العفو عن الجانى أو القيام بملاحقته والمطالبة بالتعويض.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المصرى لم يضع كنظيره الفرنسى أو الإيطالى تعريفاً لضحايا الجريمة، وهو ما دفع البعض إلى القول إن الضحية هو من يقع عليه الفعل أو يتناوله الفعل المؤثم قانوناً بحيث يصبح الشخص نفسه محلاً للحماية القانونية التى يهدف إليها المشرع.
وقد انصب اهتمام الحكومات على سن القوانين لملاحقة الجناة، دون أن يوضع اهتمام لموضوع تعويض المضرورين موضع الاعتبار الملائم، وهذا ما حدث بالفعل بالنسبة للمشرع المصرى فقد تصدى لموضوع الإرهاب بعد ما شهدته مصر من أعمال إرهابية لم تعرفها من قبل هدفها تهديد أمن المجتمع وزعزعة استقراره وتقويض أسس الديمقراطية والحرية، فأصدر القانون رقم 97 لسنة 1992 بتعديل بعض مواد قانون العقوبات والإجراءات الجنائية وبعض القوانين الأخرى لمواجهة الجريمة الإرهابية، تاركاً المضرور من جراء هذه العمليات للقواعد العامة فى المسئولية وما تمنحه الدولة للضحايا على سبيل الشفقة والمساعدة.
ويرجع التفكير فى وضع نظام خاص لتعويض ضحايا جرائم الإرهاب على مستوى القوانين المقارنة إلى مجموعة من المبررات، ومن أهم هذه المبررات التزايد المطرد فى الجرائم الإرهابية على الصعيد الدولى، وبالدرجة الأولى الدول العربية، والاختيار العشوائى للضحايا بقصد إشاعة الرعب فى المجتمع، فضلاً عن أن قوانين التعويض لا تعترف بالمسئولية الحقيقية للدولة إذ يبقى الجانى هو المسئول الأصلى عن التعويض الواجب دفعه للضحية.
ونجد أن هدف التعويض هو إعادة الثقة وإدماج الضحايا فى المجتمع دون إهمال الجانب المادى. وسواء كان التعويض فردياً أو جماعياً لا بدّ من وضع أسس لمبادئ العدالة والمساواة وتجنّب المحاباة أو التمييز، ذلك لأن التعويضات ذات طبيعة رمزية للحق الذى يتمتع به كل فرد على حدة والاعتراف بقيمة كل فرد فى المجتمع. عموماً أثار مبدأ تعويض ضحايا الجريمة، وضحايا الجريمة الإرهابية خصوصاً، جدلاً واسعاً فى الأوساط الفقهية حول الأساس الذى يستند إليه فقد ذهب جانب من الفقه إلى إنكار التزام الدولة بتعويض ضحايا الجريمة بوجه عام وبرروا ذلك بعدة حجج منها: إن نظام المسئولية الشخصية للجانى يكفى لحماية المتضرر، بالإضافة إلى ما تقدمه نظم التأمينات من تعويض نقدى للمتضرر، كما أن تقرير مسئولية الدولة حسب هذا الرأى من شأنه التمييز بين الضحايا، فهناك ضحايا الكوارث الطبيعية وضحايا الأمراض الفتاكة، فلا مبرر لتمييز ضحايا الجريمة الإرهابية بأحكام خاصة، فشبكة الحماية الاجتماعية كفيلة بمساعدة هؤلاء المتضررين كغيرهم.