حينما يقول وزير الآثار إن الوزارة مديونة بـ6 مليارات جنيه وهى تمتلك أكثر وأهم وأعظم آثار فى العالم، بالإضافة للأهرامات، إحدى أهم عجائب الدنيا السبع، فى حين أن أصحاب البازارات الصغيرة يربحون، وحينما تكون المدارس خاوية ومراكز الدروس الخصوصية مكدسة وتربح 30 مليار جنيه من ميزانية الأسرة المصرية، وحينما يخسر القطار ويربح التوك توك، وحينما يخسر أسطول النقل العام ويكسب الميكروباص، وحينما تخسر المصانع والشركات الحكومية العملاقة ويربح أصحاب المصانع والشركات الخاصة الصغيرة، وحينما تخسر كل الهيئات الاقتصادية ما عدا هيئة أو اثنتين، هنا يجب البحث عن السبب، ونتساءل لماذا يخسر كل ما هو حكومى وخدماته سيئة؟ ونفس النشاط لماذا يربح مع القطاع الخاص وخدماته أفضل؟ لماذا الشركات الحكومية الخاسرة حينما يتولاها القطاع الخاص يحول خسائرها إلى مكاسب وحينما تتولاها الحكومة تصبح الخاسرة؟ هل الدولة مدير فاشل رغم أن نفس البشر هم الذين يعملون فى القطاعين الحكومى والخاص؟ الموظف لماذا يؤدى فى الخاص أفضل من العام؟ ولماذا يعمل بذمتين؟ الإجابة فى كلمة واحدة «الإدارة»، الإدارة هى التى تحول الخسائر إلى مكاسب، والفقر إلى غنى، والديون إلى أرباح، والفشل إلى نجاح، والكسل إلى نشاط، والعكس.
صاحب المشروع الخاص لا يجامل ويختار الأكفاء للعمل معه بصرف النظر عن الاختلاف الفكرى والسياسى والدينى وصلة القرابة، أما الاختيار للوظائف الحكومية فيكون للأسوأ والأضعف ولأهل المحبة والثقة ومجاملات ومكافأة نهاية خدمة، الأرباح والحوافز فى القطاع الخاص على العمل والإنتاج، وفى القطاع العام على الفشل والخسائر، فمعظم مؤسسات الدولة خاسرة وغير منتجة ومع ذلك تقترض من البنوك حتى تمنح قياداتها أرباحاً طائلة.
تلك هى القاعدة العامة، ومؤكد هناك استثناء فى بعض الوزارات والمسئولين، ولكنه استثناء لا يمكن القياس عليه لأنه إنجاز فردى، الدولة تنفق أموالاً طائلة على الخدمات ومع ذلك هى سيئة، فعلى سبيل المثال نحو مائة مليار جنيه تُنفق على التعليم قبل الجامعى، بالإضافة إلى 30 ملياراً ينفقها الأهالى على الدروس الخصوصية، ومع ذلك التعليم الحكومى سيئ والمنتج التعليمى الأفضل خريج المدارس الخاصة، نفس الأمر ينطبق على الصحة فالقطاع الخاص يتحمل 70% من الخدمة وتصل إلى 90% فى النقل رغم المليارات التى تنفقها الدولة على الصحة والنقل فالسكة الحديد تنفق سنوياً ما يقرب من خمسة مليارات جنيه وتنقل تقريباً 500 مليون راكب، أى إن الراكب الواحد يكلف الدولة عشرة آلاف جنيه بخلاف تكلفة البنية الأساسية.
قد يقول البعض إنه ليس مطلوباً من مؤسسات الدولة الربح لأنها خدمية، هذا صحيح ولكن ليس معقولاً أن تكون خسائرها فادحة، فمطلوب منها على الأقل الإنفاق على نفسها وألّا تكون عبئاً على الدولة والمواطن، ما الحل إذاً؟ سهل وبسيط فى حال توافر الإرادة وهو:
أولاً، اختيار الأكفاء للإدارة بصرف النظر عن أية اعتبارات أخرى لأن حسن الاختيار يضمن نصف النجاح، ثانياً، خصخصة الإدارة، بمعنى إدارة المؤسسات بفكر القطاع الخاص، ولا مانع من خصخصة الملكية أيضاً ولكن بشفافية ونزاهة، فالخصخصة ليست كلها شراً ولكنها أصبحت سيئة السمعة بسبب ما حدث قبل 2011، ثالثاً، يجب انسحاب الدولة من مجالات كثيرة وتركها للقطاع الخاص وأن يقتصر دورها على التنظيم ومراقبة الأسواق والأسعار لحماية محدودى الدخل، مع توفير مناخ للمنافسة والاستثمار ومنع الاحتكار، ولنا فى خدمة التليفون المحمول أفضل مثال، فالشركات الثلاث قطاع خاص والمنافسة بينها جعلتها الخدمة الأفضل والأرخص والأكثر ربحية، مصر تحتاج حلولاً جريئة ومبدعة وخارج الصندوق.