كلمات طيبة جاءت على لسان الشيخ «الطيب»، شيخ الجامع الأزهر، قال فيها: «أرفض زيارة القدس والمسجد الأقصى فى الوقت الراهن، وأدعو المسلمين لعدم زيارتها من خلال التأشيرات الإسرائيلية، لأن ذلك يعنى تكريس الاحتلال الإسرائيلى والاعتراف بمشروعيته». موقف صلب يحمل فى طياته إدانة واضحة للانتهاكات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى، ورفض جهود الدولة العبرية فى تهويد القدس، ورفضاً قاطعاً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فلا معنى لزيارة الأزهر عبر تأشيرة إسرائيلية سوى نوع من التطبيع مع دولة لا تحترم مقدسات الغير. هناك من يتبنى نظرة براجماتية إلى هذه المسألة ويظن أن التسليم بالأمر الواقع مع إسرائيل قد يؤدى إلى المزيد من المكاسب. وأجد أن هذا الظن فى غير محله، فالسياسة الإسرائيلية تعتمد على نظام «الأخذ دون عطاء»، وبالتالى إقدام شيخ الأزهر على زيارة المسجد المنتهك لن يؤدى إلى إيقاف الممارسات الإسرائيلية، بل على العكس سيفيد إسرائيل كثيراً، نظراً لما يتمتع به شيخ الجامع الأزهر من رمزية على مستوى العالم الإسلامى.
أثناء المؤتمر الصحفى الذى جمع كلاً من «نتنياهو» و«ترامب» فى تل أبيب عقب انتهاء ما أطلق عليه القمة الأمريكية العربية الإسلامية بمدينة الرياض، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلى عن حلمه بالسفر إلى المملكة العربية السعودية فى رحلة طيران مباشرة من تل أبيب إلى الرياض. إسرائيل تريد من العرب سلاماً لا يقابله ثمن، تريد منهم سلاماً يفتح أبواب العواصم العربية لأبناء الدولة العبرية، يمارسون نشاطاً اقتصادياً وثقافياً، ويحلبون الأرباح، دون أن يدفعوا شيئاً. نتنياهو لا يقل طمعاً عن ترامب فى حافظة الدولارات الخليجية. كان من الممكن أن تصبح فكرة التحرك نحو المسجد الأقصى بالزيارة أكثر وجاهة لو كانت إسرائيل تدفع مقابلاً لهذه الخطوات، لكن التجربة تقول غير ذلك. لا يوجد أحد ضد السلام، تلك هى المقولة التى كان يرددها صانع السلام الأول مع إسرائيل، الرئيس الراحل أنور السادات، لكنه كان يؤكد دائماً على فكرة «السلام القائم على العدل»، ذلك ما يريده العرب وتأباه إسرائيل، والتجربة معها تشهد على ذلك منذ غزو لبنان فى الثمانينات -عقب توقيع معاهدة السلام- وحتى الانتهاكات الحالية للمسجد الأقصى.
غداً هو يوم الجمعة، وسوف يجتمع المقدسيون للصلاة فى المسجد الأقصى، ولو استمر الأمر على ما هو عليه دون حل، خلال الساعات المقبلة فقد يفضى إلى كارثة، فآلة القتل الإسرائيلية لا تعرف التفرقة بين مقاتلين لها، وبين مجموعة من المصلين العزل الذين يريدون أداء شعيرة من شعائر دينهم. الاجتهاد فى تكريس سيادة الاحتلال الإسرائيلى على المسجد الأقصى، ومحاولات تقسيمه مكانياً، تنفيذاً لمخططات مؤسسة على أوهام، يمثل تحدياً سافراً لمشاعر ما يقرب من 2 مليار مسلم، وهو أمر لن يمر بسهولة على أى مستوى من المستويات. الوهم كل الوهم أن تظن إسرائيل أن الشعوب العربية لم تعد تشكل قيمة فى معادلة الحراك السياسى بالمنطقة. هذا هو الوهم بعينه، الشعوب لم تمت، نعم، يعانى أغلبها من حالة إجهاد وإنهاك ناتجة عما شهدته المنطقة من أحداث خلال السنوات الماضية، لكن بإمكانها أن تهب فى لحظة، لتعيد صياغة المشهد بأكمله.