إنها قصة بائع التين الذى أُخرج من دياره وقريته، مدفوعاً بالبحث عن لقمة عيش فى القاهرة. داخل أحد الشوارع بحى المعادى وقف «مصطفى» على عربة «تين شوكى»، يبيع هذه الثمرة التى لا تنضج إلا عندما تحرق الشمس رؤوس المصريين. ظهورها فى الشوارع دليل على أن درجات الحراة وصلت إلى ذروتها، ربما سمعت أحد البسطاء من أبناء هذا الشعب يقول لك مفسراً أوضاع الطقس: «إنه حر التين الشوكى». جنيهات محدودة يربحها بائعو التين، جنيهات معجونة بالأشواك التى تجلل قشرة هذه الثمرة، لكن مصطفى «الصعيدى» نظر إليها كطريق خلاص. أسفل نخلة عالية وقف «مصطفى» بعربته يبيع التين، يبدو أنه حاول الاحتماء بها من شمس النهار الحارقة، لم يكن يعلم أنه يستجير من الرمضاء بالنار، فجأة سقطت النخلة فوق رأسه، تجمع حوله المارة، نقلوه إلى أحد المستشفيات الخاصة بالمعادى لم يقبله، فتم تحويله إلى مستشفى قصر العينى ليعالج من الإصابات الخطيرة التى تسببت فيها عمته «النخلة»!. القصة كاملة نشرها موقع «الوطن» يوم الأربعاء الماضى.
لـ«الضحايا» مصانع، وربما كان أكثر الضحايا الذين تدهسهم القاهرة القاسية من أبناء الصعيد، الصعيد فى حد ذاته مصنع كبير للضحايا، إهمال تاريخى من جانب الحكومات المتعاقبة التى أدارت البلاد، ونظرت فى شئون العباد، فرص عمل شحيحة، ضيق فى الرزق، تهالك فى المرافق، حكايات ترتقى إلى مرتبة الأساطير، عما حققه بعض النازحين من الصعايدة إلى القاهرة تُغرى «الغلابة» بالبحث عن منجى فى العاصمة. إنها حدوتة الأطراف فى المجتمعات التى تدفع كل يوم مزيداً من الضحايا إلى «المركز» داخل العاصمة. والعاصمة لا ترحم، المستشفى الخاص الذى أراد أولاد الحلال نقل مصطفى إليه بعد أن دهمته النخلة معروف بأنه متوسط الحال، لكنه رفض أن يقبله، لأنه يعلم أن الضحية لا يقدر على الدفع. يحدث هذا رغم قرار سابق اتخذه المهندس إبراهيم محلب بالتزام المستشفيات الخاصة باستقبال مصابى الطوارئ لمدة 48 ساعة. لا بأس هذا شأن أصحاب المال، وشأن الحكومة فى مراقبة القرارات التى تصدر عنها!
لم يكن أمام أولاد الحلال الذين حاولوا إغاثة مصطفى سوى نقله إلى قصر العينى، مصاباً بكسر فى العمود الفقرى وكسور بالحوض والفك ومواضع أخرى من جسده، تُرك «الصعيدى» ثلاثة أيام قبل أن يدخل غرفة الرعاية المركزة، بعد أن أصيب بغيبوبة كاملة. الآن يرقد «مصطفى» بالمستشفى لا يعلم مصيره إلا الله، وترقد النخلة القاتلة بأحد شوارع المعادى. لعلك تعلم أن هناك حديثاً نبوياً يوصى فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالنخلة، يقول فيه: «أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خُلقت من فضلة طينة أبيكم آدم». وحى المعادى من الأحياء التى تزخر شوارعها بالنخلات الطاعنة فى العمر، فهل تحظى «العمة» بالرعاية الواجبة من جانب مسئولى الحى؟. لو كان ذلك يحدث لما وقعت الواقعة وافترست إحداها جسد «مصطفى»، الشاب الصعيدى الذى لم يكن يعلم وهو ينزح إلى القاهرة باحثاً عن رزقه على عربة «تين شوكى» أن نخلة قاتلة تتربص به! عموماً المحافظة صرفت تعويضاً للضحية قيمته 100 جنيه «بحالهم»!.