(الحنين إلى الماضى) ظاهرة نفسية معروفة، وفى الحالة المصرية، فهو ظاهرة سياسية تاريخية لها جذر ثقافى يعود إلى عبادة الأسلاف!، ومن أسبابها أيضاً أن المصرى منذ فجر التاريخ يشعر أن أمسه أفضل من يومه، وأن يومه أفضل من غده!
قبل يوليو ٥٢ بشهور وصل النظام السياسى إلى حالة من الفشل الذاتى، انتهى وفقد شرعيته على الأرض، أحرق غاضبون القاهرة، وكانت المظاهرات تطعن فى عرض الملك فاروق رمز الشرعية وتسبه بوالدته، قامت الثورة وأمم «عبدالناصر» القناة، وسار وراءه المصريون، وأيدوه تأييداً كاسحاً، لكن ذلك لم يمنع من تفجر لحظة الحنين إلى الماضى فى جنازة مصطفى النحاس باشا عام ١٩٦٥، وفى ذروة صعود المشروع الناصرى ومشاركة الملايين فى جنازته، وهى نفس الملايين التى شاركت فى جنازة عبدالناصر فيما بعد، فى ١٩٧٧ تظاهر ملايين المصريين ضد الرئيس السادات وقيل إن أمنه الشخصى كان مهدداً، وأنه اضطر للذهاب إلى أسوان خوفاً من المظاهرات، والآن نرى عشرات من مظاهر تبجيل المصريين لأنور السادات الذى اتهم بالخيانة والتفريط..
(الحنين إلى الماضى) يعبر عن نفسه حالياً فى بكاء البعض على أيام (أبوعلاء) رغم أن المصريين فى زمن مبارك لم يكفوا عن الشكوى من ارتفاع الأسعار! وعن مقارنة الأسعار فى عهده بالأسعار فى عهد سلفه «السادات»، كثير من المصريين أيضاً لم يتوقفوا عن اتهام «مبارك» بالتسبب فى تراجع مكانة مصر الدولية والإقليمية وعن التبعية لدول بعينها فى الإقليم، وكانوا وهم يعقدون هذه المقارنة يقارنون بينه وبين سياسات سلفه الأسبق «ناصر»، وكانت المقارنة لحساب «ناصر» بكل تأكيد، المصريون أيضاً بكل تأكيد اتهموا مبارك بإغراق مصر فى الديون وهى كانت كبيرة بمعايير الوقت بكل تأكيد (٤٥ مليار دولار قبل حرب الخليج الأولى)، أذكر أيضاً أن عشرات الآلاف من المصريين تظاهروا ضد موقف مبارك من غزو العراق، وربما اعتبر البعض موقفه مقدمة لما تعانى منه المنطقة حتى الآن.. على الهامش كانت هناك اتهامات بإهمال صحة المصريين وتعليمهم والمسئولية عن انتشار أمراض مختلفة منها مثلاً فيرس «سى» الذى أصيب به ٩ ملايين مصرى، واتضح أن الدولة تستطيع محاربته والقضاء عليه إذا أرادت...
الاتهام الأكبر لمبارك كان بأنه رجل لا يحب التغيير ولا التحديات الكبرى، وأن أقصى طموحه هو أن تسير الأمور على ما كانت تسير عليه دائماً، وهى عادة اكتسبها المصريون مع مرور الوقت وتوالى العصور.. فإذا ضبطت نفسك متلبساً بالحنين إلى زمن مبارك.. فتأكد أنك لا تحن إلى مبارك الرئيس بقدر ما تحن إلى مبارك الذى فى داخلك.