فى أدبيات إدارة التوقعات بين أطراف المجتمع فردياً ومؤسسياً عبر مختلف القنوات، قد يعترينا بعض الكدَر، فتجد من يهذى فى قرارة نفسه: لم أكن أتوقع هذا من فلان أو من هذه المؤسسة أو الوزارة، وهو ما قاد قلمى ليخط أربع وقفات فى فقه إدارة «التوقعات»:
أولاً: لا محبطات ولا مثبطات بلا أسباب، فالكثير منا لا يجتهد فى تحديد ما يتوقعه من الآخر، وحينها يراودنا شعور بالخيبة وعدم الرضا لأن الآخر لم يرتق لتوقعاتنا. فحين نتواصل مع أحدهم لطلب أمر ما، يغيب لأسابيع ثم يُتحفنا برده، فيتولّد لدينا شعور سلبى، وبالوقوف على فحوى رسالتنا إليه، نجد أننا لم نُشِر فيها إلى أهمية الأمر واعتباراته ولم نحدد أجلاً زمنياً لتلقى الرد؛ وركّزنا فقط على توقع ما لم نسعَ إلى تحديده.
ثانياً: فرق بين الوعود والعهود والتوقعات، فالوعد يتطلب الالتزام، والعهد يتطلب الاستدامة، والتوقعات تتطلب معرفة كيف نحددها ونحسن إدارتها. فحين تتوقع جهة العمل من الموظف أن يكون مبدعاً ومتميزاً دون أن تُحدد له مؤشرات لقياس أدائه، فإنها بهذا تُحيله إلى جانٍ ومجنى عليه. جنى حين أغفل ما تريده مؤسسته تحديداً قبل الالتحاق بالعمل، وجُنى عليه فى عدم تحديد المؤسسة لتوقعاتها منه، فيكون الإخفاق فى إدارة التوقعات بين الطرفين رغم نُبْل الغاية وسلامة النية، وبالتالى يسيطر «الإحباط» على الطرفين وتسود فيروسات السلطة التقديرية لغياب مؤشرات موضوعية وعادلة لقياس الأداء.
ثالثاً: كثيراً ما يغيب الإتقان وتحديد مواصفات ومعايير مخرجات العمل النهائية، فعند طلب إنجاز مهمة أو مشروع من أحدهم دون تحديد ما نريده من مخرجات ومواصفات ومعايير شكلية وموضوعية مع إطارها الزمنى بدقة ووضوح لضمان الإنجاز الفاعل، سيجتهد من يقوم بالمهمة أو المشروع وفق مفهومه ومعاييره الفردية، ثم يعود إلينا بعد جهد استمر لساعات أو أيام، لنلمس تباعد الشطآن بين ما قدمه من «منتج نهائى» وبين توقعاتنا، فتسيطر خيبة الأمل والطاقة السلبية على من أوقعناه فى متاهات إغفال مواصفات ومعايير طلباتنا والإخفاق فى تحديد توقعاتنا، خاصة إن كان فى بداية رحلته العلمية والمهنية. ولنا أن نتخيل التكلفة الخفية لتلك الطاقة.
رابعاً: هذه الوقفة مرتبطة بمفردات الخطاب اليومى بيننا، والتى غالباً ما تميل إلى الضبابية والرمادية، فنُعلى سقف التوقعات بقولنا: «نتوقع عملاً مبهراً، وطرحاً فريداً»، كلمات براقة لكنها لا تحدد مواصفات العمل ومخرجاته؛ فلا هى أبحرت فى المسار الصحيح ولا رست على ضفاف الرضا، لينتهى الأمر بصدمة فى توقعاتنا من الآخر. لهذا يتعيّن أن نولى اهتماماً أكبر فى توظيف العبارات المناسبة والدقيقة فى قنوات التواصل حضورياً وتعبيرياً عبر القنوات الرسمية و«السوشيال ميديا» التى باتت تحتل المساحة الأكبر فى التواصل.
يتعدى الأمر مفردات الخطاب اليومى إلى علاقاتنا الاجتماعية والإنسانية من خلافات زوجية وعائلية وعلاقات مضطربة مع زملاء العمل، وجار لا يلقانا برحابة، وصديق غابت عن ملامحه البشاشة، فتأخذنا «الظنون» وتساورنا «الشكوك»، ونتحوّل من «رفقاء» إلى «فرقاء»، بينما لو تفكّر كل طرف فى الأمر لوجد أنه لا يتجاوز الحدود الدنيا لتوقعات الآخر.
أخيراً، علينا أن نمنح قنوات التواصل شفهياً وكتابياً ما يُثريها من تعابير جميلة لكنها دقيقة، وكلمات برّاقة لكنها واضحة، وطلبات مغلّفة باللطف لكنها محددة، وتوقعات طموحة لكنها واقعية؛ فما أصعب من خيبة توقعاتنا من الآخرين حين لا نمنح تواصلنا معهم ما يستحق من وضوح ودقة وإتقان.