عندما وصلت إلى الكيلومتر الثالث كانت قدماي لا تقويان على السير، وبدأ العرق يتصبب من كل مكان في جسدي، رغم برودة الجو، فكرت جديا أن ألوح لسيارة من تلك المسرعات عن يساري، ولكن سرعان ما عدلت عن تلك الفكرة، فقد اخترت السير وأنا في كامل قواي العقلية، وعليّ أن أتحمل مسؤلية اختياري، أحيانا كثيرة أكون عنيدا مع نفسي، وأحيانا أتساهل، لن أتساهل اليوم، سأواصل حتى النهاية.
استبشرت خيرا عندما رأيت لافتة صفراء تشير إلى لونا، ترى كم بقي على الوصول إليها، جلست ثلاث مرات للاستراحة، وفي كل مرة تراودني نفسي بأن ألوح لسيارة تأخذني معها، لم أعد أقوى على السير، لن أكرر هذا الخطأ بعد الآن، بالدراجة سيكون الأمر مختلفا، أين أنت يا سبستيان، لماذا لا تأتي يا دنيال لتأخذني؟! اتصلت بسباستيان فلم يرد، ولم أشأ أن أتصل بدنيال، أفكر جديا أن أرمي بنفسي فوق العشب حتى ينتشلني أحدهم.
مر بجواري رجل على دراجته، ناديت عليه أسأله كم بقي على لونا، أشار بأصابع ثلاث، ترى هل يقصد ثلاث دقائق، أم ثلاث ساعات، أم أنه أراد أن يقول ثلاثة كيلوا مترات! لطفك يارب!
لم يعد التفكير فيما يجري من حولي قائما، وحتى جمال الطبيعة صار بالنسبة لي شيئا هامشيا، انصب تفكيري كله على مأساتي، لن أكرر هذا الأمر ثانية، أين لي الآن بمن ينتشلني، سأعطيه كل ما أملك، لا، كل ما أملك كثير، لاسيما وقد بقي ثلاثة، ترى ما معنى ثلاثة؟!
ثلاثة تعني ثلاثة كيلوا مترات، أجاب دانيال، فقد لمحني أسير في ترنح، فتوقف بسيارته وصاح عاليا: تعالى يا مجنون؟ لماذا لم تتصل بي؟
هرولت إليه كغريق وجد سفينة تحمله، ارتميت على مقعد السيارة من دون أن أنطق بكلمة، كان هو من يتحدث على غير عادته، ولم تكن سوى دقيقة واحدة تفصلني عن البيت، ولكن بالسيارة!