«عَلَمِى» هو عنوان مقال اليوم ولكن لأننى من الجيل الذى تعلم الحروف الأبجدية على عزف مُدرستنا جميلة الصوت والملامح على البيانو، التى لا أعتقد أن أحداً من أبناء جيلى نسى نغمة تلك الكلمات الحنونة التى كنا نغنيها على صوت دقات قلوبنا الصغيرة بحماس شديد (وطنى. علمى. حرية وطنية. سلام. حمام. جندى بلدى شجاع).
فقد اخترت أن أكتبها لكم كما تعلمتها، ونطقت بها حروفاً منفصلة، اسم فارس أحلام الأطفال المصريين فى مختلف الأجيال والأزمنة، فمن منا لم يحلم بالعلم المصرى خفاقاً يرفرف فى السماء ومن لم يتمن أن ينال شرف رفع العلم فى طابور الصباح فى المدرسة، ومن المؤكد أننا جميعاً نملكه فى منازلنا وما زال الصغار يلوحون به فى كل المناسبات وبعضهم يتمنى لو امتلك ذلك العلم العملاق ليغطى به واجهة المنزل ويتباهى بين أقرانه، وإذا كان العلم هو فارس أحلام الصغار، فإنه بطل الاحتفالات الوطنية على الإطلاق، وهو كذلك لمسة الوطن الحانية على أجساد الشهداء، وكأنه يقبل تلك الأجساد الطاهرة فى لحظات الوداع.
وفى الغربة عندما كنت أشاهده أعلى مبنى السفارة خفاقاً شامخاً كانت مشاعرى تتحول وتتغير وأشعر بدفء الوطن وهوائه يملأ صدرى، والحنين إليه يطغى على كل شىء وأى شىء، وللعلم المصرى تاريخ مميز على مر العصور وبين جميع الدول فقد تغير وتبدل وكتب له أشهر الشعراء المصريين، مثل أحمد رامى ومصطفى صادق الرافعى كلمات ولحنها عمالقة الموسيقى وأبدع الفنانون فى تكوينه واختيار رموزه.
ويقول التاريخ المصرى إنه فى عهد الدولة العثمانية كان العلم المصرى أحمر اللون وبداخله هلال تتوسطه نجمة، وذلك من عام ١٨٠٥ حتى عام ١٨٢٦ ميلادياً، واستمر كذلك فى عهد محمد على باشا، الذى اهتم كثيراً بالعلم المصرى حتى إنه أقر (وثيقة العلم) التى كانت تتلى عند تسلم كل من آليات الجيش لعلمه، واستمر ذلك من عام ١٨٢٦ حتى ١٨٦٧م، أما فى عهد الخديو إسماعيل فقد تغير شكل العلم إلى ثلاثة أهلة وثلاث نجوم، التى كانت ترمز إلى مصر والنوبة والسودان، أول انتصارات الجيوش المصرية فى عهد محمد على فى القارات الثلاث أفريقيا وأوروبا وآسيا، ومن عام ١٨٨٢ حتى ١٩١٤ عهد الخديو توفيق وحتى بدايات الحرب العالمية الأولى عندما احتلت بريطانيا البلاد عام ١٨٨٢ عاد العلم العثمانى القديم إلى مصر من جديد، هلال ونجمة واحدة، وظل علماً مصرياً رسمياً لها حتى عام ١٩١٤م، وفى عهد السلطان حسين كامل وعندما أعلنت مصر محمية بريطانية من عام ١٩١٤ حتى ١٩٢٢عاد علم مصر مرة أخرى ٣ أهلة و٣ نجوم، كما أصبح العلم الذى حمل هلالاً يعانق صليباً رمزاً لثورة ١٩١٩، التى كان شعارها الدين لله والوطن للجميع، أما علم مصر فى العهد الملكى منذ عام ١٩٢٣ فقد تحول للون الأخضر وبه هلال وثلاث نجوم، وعرف بالعلم الأهلى وكان اللون الأخضر رمز الخضرة، الوادى والدلتا، بينما تشير النجوم لديانات أهل مصر الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، محاطة بالهلال رمز الديانة الرسمية للمملكة وهى الإسلام، وجاء علم التحرير بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ ليظل العلم الملكى مستخدماً حتى ١٩٥٨ مع علم التحرير، الذى استخدم لأول مرة فى الاحتفال بمرور ٦ أشهر على حركة الجيش كعلم لهيئة التحرير والثورة، واستمر فى العمل بجانب العلم الأخضر ذى الهلال الأبيض والنجوم الثلاث، وفى عام ١٩٥٨ ظهر علم الجمهورية العربية المتحدة، الذى استمر حتى ١٩٧١بألوانه الأبيض والأسود والأحمر والنجمتين بالأخضر، وذلك عقب إعلان الوحدة الفيدرالية بين مصر وسوريا، وتغير اسم جمهورية مصر إلى الجمهورية العربية المتحدة، وأصبح الإقليم الجنوبى يشير لمصر والإقليم الشمالى يشير إلى سوريا، واستبدل (العُقاب) بنجمتين باللون الأخضر، إشارة لمصر وسوريا، وجاء بعد ذلك علم جمهورية مصر العربية واتحاد الجمهوريات العربية من ١٩٧٢ حتى ١٩٨٤ وذلك بعد إعلان اتحاد الجمهوريات العربية مع ليبيا وسوريا، حيث استبدلت بالنجمتين فى العلم المصرى الصقر، وهو العلم الذى خاض الجيش المصرى حرب أكتوبر ١٩٧٣ تحت لوائه، وبعد تولى الرئيس الأسبق مبارك للحكم بثلاث سنوات عاد العلم المصرى مرة أخرى إلى شعار العُقاب (العقاب بنجمتين) الذى يعتبر نجم الرايات.
ونسر صلاح الدين لمن لا يعلم والملقب بنجم الرايات هو شعار النبالة، ويعود إلى عصر صلاح الدين الأيوبى (٥٨٢/٥٨٩ هـ /١١٣٨-١١٩٣م)، حيث وجد فى قلعة صلاح الدين بالقاهرة وأعيد استخدامه بعد قيام ثورة ١٩٥٢ وطور شكله مع الوقت واتخذ شعاراً لمصر ثم لعدد من الدول العربية لارتباطه بدعوات القومية العربية وأصبح منافساً لشعار صقر قريش، والطريف أن معظم الدول العربية التى تتخذ أو اتخذت نسر صلاح الدين شعاراً لها تختلف فيما بينها على ما يحويه الدرع، وكذلك الكتابة الموجودة على القاعدة التى يستند عليها النسر، وقد استخدم شعار النسر كختم للدولة المصرية طبقاً للقانون ١٣٠ بالمرسوم الصادر فى ديسمبر ١٩٢٣ أى فى عصر المملكة المصرية، أما الأكثر غرابة فى حديثنا عن الأعلام فهو اختيار بعض الدول لرموز يختلف الكثيرون على معناها، ومن أكثر الأعلام غرابة علم موزمبيق، حيث يحمل صورة لبندقية هجومية حديثة، وعلم نيبال وهو الوحيد على مستوى العالم الذى لا يتخذ شكلاً مستطيلاً، وعلم جزيرة صقلية، الذى يحمل ٣ أرجل فى شكل من المفترض أنه يمثل الأركان الثلاثة للجزيرة، أما علم برمودا فيحاكى شهرة الجزيرة التى تعرف بأنها مكان تحطم السفن والطائرات، حيث يوجد داخل الدرع التى يرتديها أسد يزين العلم حطام سفينة، وبعيداً عن الأهلة والنجوم والرموز يبقى علم مصر هو الحلم الذى نتغنى به جميعاً وندندن فى احتفالاتنا تحية له وإكباراً.