(1)
قال أحد المسلمين المتطرفين فى لندن لهيئة الإذاعة البريطانية (بى بى سى): أوروبا بالنسبة لنا مجرد دورة مياه.. نحن هنا لقضاء حاجتنا!
يقصد هذا المتطرف أن الوجود الإسلامى فى أوروبا هو وجود انتهازى بحت.. وأنها مجرد مرحلة.. حتى يرث المسلمون أرضهم ونساءهم.
(2)
لم يعد الغرب بحاجة إلى الكثير من المستشرقين الذين بذلوا فى السابق جهوداً كبيرة من أجل تكسير صورة الإسلام وتحطيم صورة المسلمين.. ذلك أن المتطرفين المسلمين قاموا بهذا الدور بأفضل ممّا يتخيّل الغرب.. وأوضح وأقوى من كل إنجازات المستشرقين.
كان بعض الاستشراق يستهدف -على نحو عادل وموضوعى- فهم الشرق.. ومعرفة ديننا وأمتنا.. وقد جاءت أعمالهم ملتزمة بمناهج العلم ومبادئ العدل والإنصاف.. وقد قام مفكرو الشرق بتقدير بحوثهم وتثمين جهودهم.
لم يكن ذلك السياق العلمى إلاّ سياقاً فرعياً فى حركة الاستشراق.. ذلك أن السياق الرئيسى ظلَّ دوماً مدفوعاً بالكراهية وذاهباً إلى العداء.
كان الجزء الأكبر من حركة الاستشراق بمثابة الجناح الفكرى للاستعمار.. هو «سلاح الطيران العقلى» الذى يمهِّد للمشاة المجرمين الذين أهلكوا الحرث والنسل.. وأعادوا ديار المسلمين إلى الخلف كثيراً.. بعيداً عن حقائق العصر.
راح المستشرقون من الجناح الفكرى للاستعمار يدرسون بلادنا وديننا وتاريخنا.. بمنطق «اعرفْ عدوك» ثم «أَسْقِط عدوك».. ثم «اسْحق عدوك»!
لقد بدا الاستعمار فى أحايين عديدة بمثابة «حرب صليبية جديدة».. لتعويض فشل الحروب الصليبية القديمة.
كان المستشرقون هم طلائع الحروب الصليبية الجديدة.. هم سلاح الاستطلاع.. الذى عليه «معركة المعرفة».. تمهيداً لمعارك القتال. كان المستشرق خادماً للقاتل، وكان القلمُ خادماً للرصاص.. وتوزعت دماء المسلمين بين الأقلام والأقدام!
(3)
انتهت تلك المرحلة التى استمرت سنوات طوالاً.. ثم جاء المتطرفون المسلمون ليقدِّموا ما لم يحلُم به غلاة المستشرقين.. كلّ ما كان يسعى إليه المستشرقون المتطرفون قدَّمه المسلمون المتطرفون واضحاً، صادماً، مفزعاً.. بلا حدود.
باتوا يتحدثون عن كُفر الغرب، وكُفر المسلمين أيضاً.. عن الغرب كميدانٍ للحرب، وعن القتال كآليةٍ وحيدةٍ قادمةٍ للقضاء على المسيحية فى أوروبا وأمريكا.. وإنهاء سطوة الغرب، وامتلاك شعوبه.. عبيداً وإماءً.. أقناناً فى الأرض وجوارى فى القصور!
إنّ بعض التأمل فى هؤلاء المتطرفين.. الذين ينعمون -فى الغرب- بالرعاية والاهتمام.. ويحظوْن بالأمن التام والحماية الكاملة.. ويخرجون من دوائر الأمن والاستخبارات ليتحدثوا عن الخلافة والجهاد.. وغزو أمريكا وفتح أوروبا.. يمكنُه أن يدرك -فى غير عناء- أن هؤلاء مجرد عملاء يؤدون دوراً مرسوماً فى صناعة الكراهية للإسلام وتعظيم العداء للمسلمين.
إنهم «المستشرقون الجدد».. هم الجناح الفكرى للاستعمار الجديد.. لكنهم -خلافاً- للمستشرقين القدامى.. يعلنون انتماءهم للإسلام وحديثهم باسم الأمة الإسلامية!
إن المرء ليصابُ بالذهول وهو يجد هؤلاء المتطرفين يتحدثون عن كُفر ملكة بريطانيا، وردِّة رؤساء أوروبا.. والتجهيز للجهاد ضدّ الشعوب التى يعيشون بينها.. وضمّ أوروبا باعتبارها ولاياتٍ جهاديةٍ.. كل ما فيها ومن فيها جزء من متاع المتطرفين.. ثم لا يجد المرء بعد ذلك كله خطوة واحدة فى اتجاه المساءلة والعقاب.. إنهم يكتبون وينشرون، ويتحدثون ويذيعون، ويلتقون ويشرحون.. ولا أحد يقول لهم: من أنتم؟ ولا.. ماذا تقولون؟
لقد جادلتُ محامين كباراً فى أوروبا فى هذا الأمر.. وكانت إجاباتهم كلها ركيكة فارغة.. لا منطق لها.. مجرد ترديدٍ لمقولاتٍ حول المسئولية الجنائية والأدلة القانونية.. وما إلى ذلك من السفسطة القانونية التى تبعث على الازدراء والاحتقار أكثر مما تبعث على الحوار والاحترام.
ثمّة غطاء سياسى -فوق قانونى- لأولئك العملاء من المتطرفين.. ذلك أنهم ببساطة «المستشرقون الجُدد».
(نواصل الأسبوع المقبل بمشيئة الله)
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر