قلت لدانيال سأكافئك اليوم نظير ما أنقذتني، سأطبخ لكما. بدت علامات التعجب على وجهه بوضوح، صمت لبرهة ثم قال: أحقا سنأكل اليوم في البيت، لم نطبخ هنا منذ فترة!
كان صادقا فيما يقول، فقد رأيت الثلاجة خالية من كل شئ إلا من البيرة وزجاجة مياة واحده، سألته: ما الذي علي أن أشتريه؟ أجاب: كل شئ؛ فلا يوجد هنا شئ يؤكل!
أخذت حقيبتين من القماش إلى جانب حقيبة ظهري، فأنا أعلم أن الأكياس البلاستيكية لا تعطى مجانا كما هو الحال عندنا في مصر، كم أتمنى أن يطبق مثل هذا الأمر في مصر أيضا، فقد وصلت قمامة الشوارع في مصر إلى حد لا يمكن تصوره، ولو اشترى أحدهم في مصر كيسا لما فرط فيه بسهولة، ولكن لأن الأكياس مجانية؛ فالتخلي عنها يكون مجانيا أيضا، وقد فطن الألمان لهذا الأمر وعرفوا أن وجع المال شديد، فربطوه بكثير من الأشياء، وجعلوا منه عقوبة وإلزاما؛ فعلى سبيل المثال، إذا دخلت سوبر ماركت كبير وأردت أن تستخدم عربة التسوق لتضع فيها ما تريد شراؤه، فلا يمكنك سحب العربة إلا إذ وضعت بداخلها عملة معدنية أقلها واحد يورو، ولا يمكنك استرداد نقودك إلا بعد أن تعيد العربة مكانها، وكذلك الحال إذا ما اشتريت زجاجة بلاستيكية أو أخرى زجاجية، فلا يمكنك أن ترميها وأنت تعرف أنك لو أعدتها إلى السوبر ماركت ستحصل على 25 سنتا. إنهم الألمان يحافظون على بيئتهم نظيفة وصحية!
كان السوبر ماركت واسمه (ألدي) مزدحما، أخيرا سأرى بشرا، كنت أنتهز فرصة أنني لا أجد صنفا من الأصناف أمامي، فأسأل الناس عنه، وكنت أجد في الحديث إليهم متعه، خاصة عندما تتشعب بنا الحكايات، وأردت أن أشتري صلصة طماطم ولم أكن أعرف إسمها بالألمانية، فسألت واحدة ترتدي ملابس مكتوب عليها اسم السوبر ماركت (ألدي) فاصطبحتني وهي تركض، وأشارت على الكاتشب ثم قالت على عجل: هذا ما تريد. لم أكن أقصد الكاتشب، كنت أريد صلصة طماطم، لذا انتظرت حتى مر من أمامي رجلٌ رحت أشرح له ما أريد: قلت له: هل تعرف الطماطم، قال: نعم أعرفها، قلت له: عندما نعصر الطماطم يخرج منها عصير، أليس كذلك؟ قال بلى، قلت له: هل يوجد هذا العصير هنا! ضحك الرجل وقال: نعم واسمه بالألمانية passierte Tomaten.
عدت إلى البيت محملا بأشياء كثيرة، اشتريت لحم دجاج، وخبزاً، وبطاطس، وبصلاً، وثوماً، وخضروات، وصلصة طمام.
كان سباستيان في الشقة، أما دانيال فقد خرج لقضاء حاجة له، وتعجب سباستيان مما أفعله، عرض علي المساعدة، فرفضت، كنت أريد أن أفعل كل شئ وحدي، قلت له: اليوم يومي.