تتعدد أدوات العدو فى محاولات إفشال الدولة من تمويل ودعم وتدريب وإيواء جماعات إرهابية يحملون للأسف جنسية الدولة المستهدفة إلى دعم وتمويل وتدريب عناصر أخرى لا ينتمون للبلد المستهدف إنما يحملون جنسيات أخرى بهدف خلق قاعدة إرهابية غير وطنية ستكلف فيما بعد بعمليات إرهاب وترويع غاية فى العنف والحدة فيما يسمى «صناعة التوحش» ويتم توفير ممرات عبور وتهريب الأسلحة والإمداد بالأموال وأحدث المعدات والأجهزة الممكنة من أجهزة الاتصال إلى وسائل تكنولوجية حديثة.
هذا وحده ليس كافياً إذ إن الاعتماد الأساسى للحروب الجديدة، التى تسمى «حروب الجيل الرابع»، والتى هدفها الأساسى هو الوصول بالدولة الهدف إلى «درجة الفشل»، يكون على وسائل وأدوات الإعلام الحديث.. ففضلاً عن القنوات الفضائية العابرة للحدود التى تنقل هجوماً إعلامياً واسعاً، وفق خطة ممنهجة من الحملات الإعلامية، تعتمد على الإنشاء والخطابة وتزييف الحقائق والتلاعب بمشاعر المواطنين والتحريض الدائم، فكل ذلك لا يكفى إذ إن الاتصال المباشر بالمواطنين فى الدولة الهدف ضرورى، لعدة أسباب، منها تهميش دور الإعلام الوطنى غير الموجود على وسائل الاتصال الحديثة وأهمها شبكات التواصل الاجتماعى بمختلف تنويعاتها من «فيس بوك ويوتيوب وتويتر حتى الواتس آب وسناب شات»، وغيرها وغيرها، كما أن هذه الأدوات تخلق حميمية بين المتواصلين بما يسمح بتحريضهم وتحريكهم على الأرض واستخدام العنف أو اللجوء لمختلف وسائل الاحتجاج.
إن إحصائية بسيطة تكشف حجم ميدان المواجهة الذى تتوجه فيه نيران الحملات التى تحمل معها الشائعات والأكاذيب وسائر التلفيقات من البانر الكاذب أو الساخر (ولكل منهما أهدافه) إلى تلفيق الفيديوهات وفبركتها إلى الأخبار المباشرة ذاتها وأغلبها لا مصدر له وبعضها منسوب إلى مواقع غير معتبرة ومجهولة ولا تصنيف لها على أى معيار.
وإن كان عدد الموجودين على موقع «فيس بوك» قد بلغ مليارى مواطن على مستوى العالم فإنهم بلغوا فى الوطن العربى وفقاً لآخر إحصاء 156 مليون مواطن بزيادة قدرها 41 مليون مواطن عن العام السابق أى بزيادة تتجاوز 120 ألف مواطن يومياً!!
يبلغ نصيب مصر من حسابات فيس بوك 33 مليون حساب من داخل مصر فقط فضلاً عن المصريين من خارج البلاد بينما يبلغ نصيبنا من تويتر 1.7 مليون حساب فى المركز الثانى بعد السعودية التى لديها العدد نفسه لكن بحسابه على نسبة السكان فسيحتلون المركز الأول ثم تلينا دول أخرى على الموقعين فيس بوك وتويتر مثل العراق والجزائر والمغرب وسوريا وغيرها فى حين تتجاوز زيارات موقع يوتيوب 300 مليون زيارة شهرياً فى بلادنا العربية!
فى مصر يُصنع الرأى العام وتُبث الشائعات على فيس بوك الذى يعتبر ساحتها الأولى فرقم الـ33 مليون صفحة كبير جداً، فإذا عرفنا أن 29.7٪ من عدد السكان (وكل هذه الإحصائيات من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء) أميون لا يعرفون القراءة والكتابة وهو رقم يقترب من 30 مليوناً وهناك مثلهم تحت سن 14 لا يستطيعون صناعة رأى عام بأنفسهم ويتبعون أولياء أمورهم أو آخرين يؤثرون فيهم، منهم 10.6 مليون طفل من عمر سنة واحدة إلى 4 سنوات ومنهم 9.6 مليون طفل من 4 سنوات إلى 10 والباقون وعددهم 9.8 من سن 10 إلى 14 سنة، سنعرف أن صناعة الرأى العام تصنع بالفعل على فيس بوك!
وبينما يعتمد الوطنيون المخلصون على جهودهم الخاصة فى التصدى للشائعات والأكاذيب ولكل ألاعيب وحملات إعلام الشر نجد العدو يستخدم أساليب أخرى منظمة جداً وممولة تمويلاً جيداً توفر لعناصرها كل أنواع الاتصال لكل الشبكات الموجودة بالبلد ليتيسر الاستمرار فى الاتصال بالجماهير تحت أى ظرف تتعرض له أى شبكة من الشبكات فضلاً عن أجهزة إلكترونية حديثة على أحدث إصدارات أجهزة الكمبيوتر واللاب توب ويتم اختيار عناصر جيدة ونشطة للعمل فيما يسمى «اللجان الإلكترونية» أو «الكتائب الإلكترونية» كما سماها الرئيس السيسى التى تقسم إلى أقسام وإلى شيفتات لكل منها مواعيده وفترة عمله ويطلق كل عنصر منها ما بين 20 إلى 30 حساباً على فيس بوك وأقل منهم على تويتر فإذا كان عدد العاملين فى الشيفت الواحد 100 عنصر يكون لدينا فوراً من 2000 إلى 3000 حساب مزيف ووهمى يحمل أسماء وهمية ومستعارة لكنهم قادرون فى دقيقة واحدة على نشر وترويج أى شائعة أو خبر كاذب.
كان دور اللجان الإلكترونية فى بداية نشأتها هو الرد والاشتباك مع أخبار ومقالات منشورة فى الصحف والمواقع الإلكترونية عند نشأتها قبل سنوات حيث توجه التعليقات الأخرى للقراء.. فلو كان الخبر أو المقال مؤيداً لجماعات الشر تكون التعليقات الأولى وبكثافة مؤيدة للخبر أو للمقال تمدح فيه وفى الكاتب أو المحرر وكذلك فى الموقع، بما يشكل رأياً عاماً داعماً للموضوع يجعل باقى التعليقات تسير فى اتجاهه أو تمنع رافضى الموضوع من التعليق لليأس من الوجود بين كل هؤلاء.
ثم تطور الأمر ليدخل عمل هذه اللجان بقوة على المواقع الاجتماعية، بدأت بحمل أسماء وهمية وبعد اكتشافها تطورت لتضع بيانات تبدو حقيقية لكنها وهمية أيضاً ككتابة بيانات تقول إن صاحب الحساب طبيب فى أسيوط وستكون هناك صعوبة للسؤال عنه فى محافظة كبيرة والتأكد من هويته ثم تطور الأمر وأصبح هؤلاء يسرقون صوراً شخصية لشخصيات أخرى ويضعونها على الحسابات لإعطاء مصداقية لحساباتهم لكنها فى الأصل صور لآخرين لا يعرفون عن الأمر شيئاً.
عمل هذه اللجان هو نشر الشائعات والأخبار الكاذبة أو تلفيقها وترويجها واصطناع الفيديوهات المفبركة أو وضع عناوين غير صحيحة لفيديوهات حقيقية اعتماداً على أن الكثيرين لا يفتشون فى التفاصيل وسينشرون دون التأكد من المحتوى وهو المطلوب فى ذاته والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى.
كذلك تقوم هذه اللجان بتصميم البانر أو اللوحات التى تحمل معلومات خاطئة أو للسخرية من بعض الشخصيات وإرهابها ومنعها من خطها السياسى أو إجبارها على خط سياسى آخر وكذلك تلعب دوراً مهماً فى التأثير على أصحاب الرأى، فمثلاً أحدهم داعم ومؤيد لمؤسسات الدولة لكنه إن اعترض على قرار ما تنطلق هذه اللجان إلى حسابه وصفحته تقدم دعماً كبيراً له وتأييداً ومدحاً بهدف تشجيعه على كتابة مزيد من المقالات المعارضة وكثير من هؤلاء نجحت اللعبة معهم وتحولوا إلى المعارضة شيئاً فشيئاً بهذه الطريقة! والعكس صحيح تماماً، فما إن يكتب أحد المعارضين دعماً لمؤسسات الدولة إلا ويتم الهجوم عليه واتهامه بالتراجع وأن مصالح خاصة وراء الأمر وكل الاتهامات بغرض إرهابه ومنعه من تكرار دعم الدولة!
والحل لمواجهة المخطط كله يكمن فى عدة إجراءات قد يحتاج بعضها إلى تضافر جهود عدد من المؤسسات والهيئات وقد يطول عائده أيضاً، ومنها:
- استنهاض همة المواطنين ببث روح الأمل باستمرار.
نشر الإيجابيات أولاً بأول وشرحها للناس لمنع الإعلام المعادى من تشويهها والشوشرة عليها.
- الرد الفورى على الشائعات فلا يصح الرد على الشائعات بتقرير أسبوعى يكون أثر الشائعة قد اكتمل وأدى دوره السلبى.
- تصحيح المفاهيم التاريخية التى حاول إعلام الشر تشويهها لإحداث بلبلة فى أذهان الناس خصوصاً الأجيال الجديدة ليفقدوا القدوة ويتشككوا فى تاريخهم كله ورموزهم الوطنية.
- إعادة الاحتفال بالمناسبات الوطنية للرد على إعلام الشر الذى أفهمهم أن تاريخهم كله هزائم وانكسارات على عكس الحقيقة.
- الاحتفال أو إعادة الاحتفال بالمناسبات الوطنية المهمة مثل عيد الجهاد وعيد الجلاء وعيد النصر وذكرى إعلان الجمهورية وذكرى تأميم القناة وذكرى الوحدة مع سوريا... وغيرها من المناسبات التى تجاهلها الإعلام السنوات الثلاثين الماضية.
- عودة الدولة للإنتاج الفنى.. بعد حملات واسعة انتقدت دور الدولة فى الإنتاج مما أدى إلى إلغاء المؤسسة العامة للسينما فى السبعينات وتحويل أهدافها إلى الربح حتى تم تخلى الدولة كلية عن الإنتاج السينمائى فى الثمانينات مما تسبب فى تراجع دور مصر الناعم فى العالم خصوصاً فى الوطن العربى، وتراجع مستوى المسرح والأغنية والأعمال الدرامية مما أدى إلى ترك مهمة تشكيل وعى ووجدان المصريين إلى أيدٍ غير أمينة ولا مسئولة أدت إلى الحالة التى نحن عليها الآن.
- رقابة صارمة على الأعمال الفنية التى تدخل بيوت المصريين وتنقل صورة سيئة للخارج كما تنقل عادات ومفاهيم خاطئة للأسرة المصرية.
- تغيير مناهج التربية والتعليم وعودة مواد التربية الوطنية والقومية وعودة الرياضة والمسرح والموسيقى والرسم والخط العربى لليوم المدرسى والعودة إلى نظام الحضور والغياب.
- وضع مناهج المدارس والجامعات الأجنبية تحت رقابة الدولة وإلا سنجد مجتمعات أخرى تحمل الجنسية المصرية وتعيش فى مصر لكنها بلا أى انتماء أو هوية مصرية.
- مواجهة مزاعم ودعاوى العودة للنظام الملكى أو محاولات تبييضه لأن ذلك يطعن فى شرعية الحكم الممتدة من ثورة يوليو والنظام الجمهورى الممتد من سنة 53 وحتى اليوم.. والأخطر أنه يطعن فى ثورة ضباط الجيش المصرى عام 1952 ويبدو الأمر بشكل سطحى استهداف ثورة يوليو ولكن الهدف هو تشويه تدخل الجيش فى إنقاذ الشعب المصرى سواء فى يوليو 52 أو يونيو 2013.
- تشكيل لجان إلكترونية ترد عن الشعب والدولة ما يستهدفهما.
- منع تصدر شخصيات غير مسئولة للمشهد العام إذ إن تصديرها والترويج لها يكون متعمداً ومقصوداً لإحداث بلبلة ونشر الإحباط.. ومثال على ذلك الزعم بحصول إحدى الراقصات على جائزة الأم المثالية.. ورغم عدم صحة ذلك فإن الرقابة على المسابقات من الأصل أفضل من ترك الأمر إلى حد انتشار شائعات لا معنى لها.
- الالتزام بنظام عادل فى الحصول على الوظائف العامة يعتمد على العدل واعتبارات الكفاءة المطلقة وليس النفوذ الاجتماعى.