«تتطلب أصول الحكم الجيدة جعل رفض مطالب الولايات المتحدة أمراً غير مقبول». هكذا جاءت العبارة نصاً فى مقال للدبلوماسى الأمريكى دينيس روس على موقع واشنطن لدراسات الشرق الأدنى -أحد مراكز صنع القرار الأمريكى- تحت عنوان «تيلرسون قادر على إنهاء الأزمة القطرية».
توقفت كثيراً أمام العبارة التى تحمل صلفاً أمريكياً اعتدناه فى العقود الماضية، لا فى منطقتنا وحسب، ولكن فى بقاع كثيرة فى العالم، ولكنه كان متخفياً وراء كواليس المسرح السياسى أو مغلفاً بكلمات دبلوماسية يرددها الساسة الأمريكان. ولكن أن يتحدث أحد الدبلوماسيين الأمريكيين بهذه الصراحة معلقاً على رفض الدول المقاطعة لقطر إنهاء الأزمة معها وفقاً لمقترحات «تيلرسون» وزير الخارجية الأمريكى التى طرحها خلال جولته الأخيرة لمنطقة الخليج، فهذا هو الجديد. فـ«روس» يرسل لـ«تيلرسون» -حديث العهد بالسياسة- أحد أسس الحكم فى الولايات المتحدة مفاده أن على العرب فهم أن رفض مطالب واشنطن غير مقبول! يا لها من قاعدة حكم تنم عن مفاهيم الحرية والديمقراطية وحرية العالم فى حماية مصالحه كما تتشدق الولايات المتحدة ليل نهار؟!
وبعيداً عن تلك العبارة «المستفزة» فى المقال نتوقف أمام أفكار دينيس روس عن الضغوط الأمريكية على دول المقاطعة العربية لقطر وكيف أنها آتت ثمارها، على حد قوله، بإصدار تلك الدول بياناً به بعض المرونة مؤخراً يعبر عن رغبتهم فى الحوار مع قطر التى لم تُبد رفضاً له. ولكن لا يتوقف «روس» عن استخدام لغة التهديد الناصح بها وزير الخارجية، إذ يقول نصاً فى مقاله: «وعلى افتراض أن يحظى تيلرسون بدعم الرئيس ترامب، سيتعيّن على الرئيس التنفيذى السابق لشركة (إيكسون) إبلاغ كافة الأطراف بكيفية انتهاء الأزمة بسرية، ولكن بصراحة، وذلك بقيام قطر بتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة مؤخراً مع الولايات المتحدة حول تمويل الإرهاب، والتزامها باعتقال أو طرد كافة الجهات التى صنفتها الولايات المتحدة داعمة أو ميسّرة للإرهاب، والتوقف عن توفير أى دعم مادى لأى جماعة تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً لاستقرار المنطقة. كما يتعيّن على تيلرسون أن يوضح أنه فى حال رفض القطريون تنفيذ مذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة والتزاماتها الأخرى الآنفة الذكر، ستسحب الولايات المتحدة قواتها من قاعدة (العديد). وهذا هو نوع التهديد الذى لا بدّ أن يشغل تفكير آل ثانى. فالقطريون يعتبرون الوجود العسكرى الأمريكى بمثابة ضمانة أمنية. فمنع انسحاب الولايات المتحدة من القاعدة العسكرية يمنحهم الغطاء السياسى الذى يحتاجون إليه لإنهاء المواجهة الحالية. وآخر ما يرغب فيه القطريون هو أن يُنظر إليهم بأنهم استسلموا للسعوديين».
هكذا، وبصراحة، يعلنها الأمريكان على لسان أحد سفرائهم فى مركز من مراكز صناعة القرار: استحضِروا لغة التهديد بسحب قاعدة العديد العسكرية الأمريكية من قطر، فيرضخ نظام الحكم بها لأوامركم فوراً لأنهم يعلمون ما تمنحه تلك القاعدة لهم من حماية وأمان فى المنطقة، وسيعملون على إبقائكم لأنهم لا يريدون أن يقال إنهم رضخوا للسعودية ومطالبها؟!! يا لها من صورة كريهة لدولنا فى عيون الأمريكان. يا لها من صيغة قميئة تحمل ملامح أسلوب التعامل معنا بعد أن أدركوا أن ما يعنينا ليس مصالح شعوبنا ولا محاربة الإرهاب ولا مواجهة التهديدات المحيطة بنا، بل كل ما يعنينا هو ألا نبدو وقد رضخنا لبعضنا البعض. أى عار هذا فى مفهومهم عنا؟ وأى استصغار لحجمنا جميعاً وهم يمارسون علينا ضغوطهم لإنهاء الأزمة، لا من باب إصلاح ذات البين والحفاظ على وحدتنا العربية وحماية مقدرات الشعوب كما يدّعون، ولكن من باب المصالح الأمريكية ومخططاتها فى المنطقة بوقف نمو ما سموه «داعش»، وكان من صناعة يدهم بعد أن انتهى دوره الآن، ومن باب وقف تمدد إيران بشكل أكبر من الدور المرسوم لها من أجل أمن إسرائيل، ومن أجل عدم فقدان منتج منفذ لسياسة أمريكية تحقق شعار تفتيت المنطقة. هكذا يروننا، وهكذا نتغافل عن حقيقة نظرتهم لنا بينما نواصل تحقيق أهدافهم بيننا وبأيدينا ومن أموالنا.