«الإرهاب الطائر»: دراسة تقدم «روشتة وطنية» لتأمين الطائرات والمطارات.. وتنتقد «المواقف المتناقضة» للمجتمع الدولى
إيهاب سيد العماوى
«إرهاب السماء» مصطلح ظهر مع الحادى عشر من سبتمبر 2001، التاريخ الذى شهد الهجوم الإرهابى المروع فى قلب الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تمكن إرهابيون من تغيير مسار 4 طائرات نقل مدنى تجارية استهدفت برجى مركز التجارة العالمى، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، ورغم الاهتمام المتزايد بتأمين المطارات والطائرات منذ تلك الأحداث، إلا أن الجرائم ما زالت مستمرة، والمخاطر تُهدّد مختلف الدول، الأمر الذى دفع الدكتور إيهاب سيد العماوى، إلى إعداد دراسته التى حملت عنوان «الإرهاب الطائر.. التحديات والمواجهة» وتناولها على 511 صفحة شملت 3 أبواب، هى: «صور التهديدات الموجهة ضد أمن وسلامة الطيران المدنى» و«المواجهة الأمنية لجرائم الاعتداء والدور الوقائى»، وأخيراً «تغيير شكل الملكية وأثره على أمن وسلامة الطيران المدنى».
مفاجأة: أمريكا أول من ارتكب جرائم «خطف الطائرات» لمواجهة الثورة الكوبية فى الستينات.. واختطفت طائرة مصرية عام 85 كانت فى طريقها إلى تونس
وأكد الباحث فى مقدمة الكتاب أنه أمام التطور التكنولوجى السريع الذى استفاد منه الفكر الإجرامى، وظهور ما يُعرف بـ«الجريمة العلمية» التى لا تعتمد على وسائل تقليدية فى تنفيذه، وذيوع انتشار جماعات العنف المسلح ذات الصبغة الدينية، إضافة إلى الصعوبات المتوقعة فى كشف غموض الجرائم المصاحبة لتعقّد الفكر الإجرامى «يتعين على المفكر الأمنى أن يتجه إلى التركيز على إجراءات منع الجريمة أكثر من اهتمامه بإجراءات ضبطها بعد تمام ارتكابها، وأن المنع مهما كانت تكلفة إجراءاته سيبقى فى المحصلة أقل تكلفة، رغم ارتفاع قيمة تكلفته الحقيقية عن إجراءات الضبط وخططه». وأشار إلى الأهمية القصوى لمرفق الطيران المدنى الذى ينقل الملايين من الأفراد، بالإضافة إلى دوره الحيوى فى حركة التجارة الدولية بنقل كميات ضخمة من البضائع عبر الدول، وضخ الدول استثمارات طائلة تنتظر عائداتها لتنمية وتطوير هذا المرفق، وهو الأمر الذى دفع محترفى الفكر الإجرامى إلى استهدافه بصور شتى هادفين من وراء ذلك إلى تحقيق انتشار سريع لغاياتهم المريضة وأهدافهم الضالة، ترويعاً للآمنين من البشر، وتحقيقاً لمصالحهم العاجلة والآجلة، ضاربين اقتصاد الدول فى صميمه.
فى الباب الأول الخاص بصور التهديدات، تناول «العماوى» جريمة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، وقال إنها من أعظم الأخطار التى تواجه الملاحة الجوية، سواء بمحاولة السيطرة على قيادتها وتغيير مسارها، أو احتجاز ركابها كرهائن أو تفجيرها فى الجو، موضحاً أن أولى الحوادث من هذا النوع وقعت فى بيرو عام 1930، ثم أخذت فى الانتشار فى دول أوروبا، هرباً من أنظمة الحكم الشيوعى بها، ثم زادت انتشاراً خلال حقبتى الستينات والسبعينات من القرن الماضى، خصوصاً على يد أعضاء الحركات التحريرية والثوار، بل سعت دول للاستفادة من عالمية الأثر المترتب على الاختطاف، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها باختطاف الطائرات العربية فى الستينات، ثم كان اختطافها للطائرة المصرية المتّجهة إلى تونس بواسطة سلاح الجو الأمريكى، لترتفع بذلك هذه الظاهرة إلى مستوى الجريمة التى ترتكبها السلطات الرسمية للدول. وحول تلك الواقعة أشار الباحث على هامش الكتاب إلى أن «القوات الأمريكية أجبرت طائرة «مصر للطيران» المتجهة إلى تونس فى أكتوبر 1985 على الهبوط بمطار سيكونيلا التابع لإحدى قواعد حلف الناتو بجزيرة صقلية، لرغبة الولايات المتحدة فى اعتقال الفلسطينى محمد أبوالعباس ورفاقه الأربعة المتهمين باختطاف السفينة الإيطالية «أكيلى لاورو»، لكن موقف الحكومة الإيطالية حينذاك وحكمة القيادة السياسية المصرية حالا دون تمكنها من فرض إرادتها»، واصفاً أمريكا بأنها أول من لجأ إلى جريمة اختطاف الطائرات لمواجهة الثورة الكوبية خلال الستينات، وذلك باستخدام شتى الوسائل، سواء الإيجابية بقيامها بتشجيع الأفراد على ارتكاب الجريمة، أو السلبية بالتهاون فى مواجهتهم فى بعض الأحداث، وشاركت حكومة واشنطن فى اختطاف 33 طائرة خلال 5 سنوات، وسط صمت مشين من المجتمع الدولى.
«د. العماوى» يُحدد فى كتابه 15 توصية للمواجهة تبدأ بإنشاء وحدة لـ«إدارة الخطر».. والتعاون مع شركات أمن خاصة
وتطرق «العماوى» إلى 4 دوافع لعمليات الاعتداء على الطائرات، أكثرها انتشاراً هو «الدافع السياسى» لإثارة الرأى العام العالمى للتعاطف أو الاستجابة لمطلب أو رأى أو عقيدة أو نظرية سياسية، بغية تحقيق أهداف سياسية، كالإفراج عن معتقل سياسى، أو الضغط على الدولة، للموافقة على مطالب معينة أو حماية عرقية مضطهدة. والدافع الثانى يتعلق بخلل نفسى أو عقلى، حيث يكون الخاطف مصاباً بخلل أو اضطراب. بينما يتعلق الدافع الثالث بمحاولة ابتزاز بعض الدول لدفع أموال أو الاستيلاء على أموال المسافرين، وهم فئة من المجرمين والعصابات يطلق عليها «قطّاع طرق الجو». أما الدافع الرابع والأخير فهو «الدافع الدينى» لدى هؤلاء المنخرطين فى جماعات العنف المسلح ويتّخذون الدين ستاراً لهم وينتهجون منهجاً أيديولوجياً قائماً على الجهاد فى سبيل الله فى صور مختلفة ضد من يرونهم كفاراً أو أشراراً للتأثير عليهم وضرب مصالحهم.
وقدّم الباحث عدة تعريفات للإرهاب، منها أنه «تعمّد خلق واستغلال الخوف من خلال العنف أو التهديد به من أجل إحداث تغيير سياسى، تمارسه منظمات ذات قيادة محدودة»، وأيضاً هو «استخدام العنف أو التهديد به من قبل فرد أو مجموعة تعمل لصالح النظام القائم أو ضده، ويراد من هذا العمل بث الخوف لدى جماعة معينة بهدف إجبار تلك الجماعة على قبول طلبات معينة». وقال إن المشرع المصرى أحسن صنعاً عندما عرّف الإرهاب فى المادة 86 من قانون العقوبات بأنه «كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجانى، تنفيذاً لمشروع إجرامى فردى أو جماعى، بهدف الإخلال بالنظام العام، أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه لخطر من شأنه إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو الاتصالات أو المواصلات أو الأموال أو المبانى العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة، أو دور العبادة، أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور، أو القوانين أو اللوائح».
وانتقد الكاتب فى باب «المواجهة الأمنية» دور المجتمع الدولى فى التصدى للإرهاب، قائلاً إن «المواجهة الأمنية لظاهرة الإرهاب تميّزت بالعجز والارتباك، فلم يصدر عن المجتمع الإنسانى إزاء هذه الظاهرة إلا ردود فعل غامضة، وأحياناً متناقضة، فالمواقف التى كانت تتخذها الدول والحكومات إزاء الأنشطة الإرهابية بشكل عام، والتدخل غير المشروع على الطائرات بشكل خاص، كانت تعد مواقف متداعية وأضعف من أن تجابه هذه الأنشطة أو تُحد من تفاقمها»، وطالب ببذل مزيد من الجهود الوطنية والإقليمية والدولية للحد من الظاهرة التى وصفها بأنها باتت «أكثر خطورة واتساعاً وانتشاراً وعنفاً، مما كانت عليه من قبل»، محذّراً من أن المطارات فى مختلف الدول أصبحت وبحق من أهم وأخطر الأماكن التى يهرب عبرها الإرهابيون بعد ارتكاب جرائمهم، أو يتسلل منها الآثمون لارتكاب جرائمهم فى الداخل، كما تتّخذ المطارات مسرحاً لارتكاب الجرائم التى تخل بأمن وسلامة الطيران المدنى، مثل: «خطف الطائرات، وتفجيرها، وتفجير منشآت المطار، وتعريض المسافرين والعاملين للخطر».
ودعا الباحث إلى وضع وتنفيذ برنامج وطنى لأمن الطيران المدنى وتلتزم جميع المطارات بتطبيقه، ويتضمّن عدة نقاط، أهمها: «إصدار تشريع ملائم يمكن الدولة من اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير الأمنية للكشف عن الركاب والأمتعة اليدوية، وإقامة تعاون وثيق بين مختلف الأجهزة المعنية بالتنفيذ الناجح للبرنامج الأمنى، والتحديد الواضح للمسئولية عن كل قطاع من قطاعات البرنامج، والنص على تبادل المعلومات عن التهديد والتعاون بين الدول والمنظمات الدولية المختصة، وتأمين الموارد اللازمة وتدريب العاملين، ومراعاة إدماج متطلبات الأمن فى تصميم المطارات الجديدة أو عند توسيع التجهيزات والخدمات القائمة»، كما اقترح إنشاء لجنة وطنية لأمن الطيران المدنى، تمثل فيها كل من الحكومة والجهات المعنية بصناعة الطيران، لتقديم المشورة وتحقيق التنسيق الحيوى والربط بين البرنامج الوطنى والبرنامج الدولى لأمن الطيران المدنى، مضيفاً أنه يجب أن تتسم اللجنة بالديمومة والانتظام فى عقد الاجتماعات والقدرة على اتخاذ إجراءات حاسمة من خلال قدرة أعضائها على اتخاذ القرارات، كما ينبغى لضمان فاعلية هذه اللجنة اتباعها أساليب عمل مرنة ويُتفق عليها بين مختلف الجهات.
وفى نهاية دراسته، انتهى د. إيهاب سيد العماوى، إلى تحديد 15 توصية، أولاها «إنشاء وحدة لتقييم التهديد وإدارة الخطر على غرار وحدة تقييم التهديد وإدارة الخطر التابعة لوزارة النقل البريطانى»، كما أوصى بالسعى نحو إصدار معايير موحّدة لأمن الطيران العربى من خلال الهيئة العربية للطيران المدنى، على أن يتم تطبيقها بشكل إلزامى على جميع الدول العربية، أسوة بما صدر عن الاتحاد الأوروبى، وإعادة صياغة الاتفاقيات المعنية بأمن وسلامة الطيران المدنى، فى إطار اتفاق دولى جديد يحظى بإجماع عالمى على تحديد معانٍ لمصطلحات لا تزال محل خلاف، أبرزها «الإرهاب». وحول إدارة المطارات، أوصى «العماوى» بإتاحة الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة فى بعض الوظائف الأمنية التى تقوم بها أجهزة الشرطة بالمطارات، للتخفيف عن كاهل الشرطة، مقترحاً منح مهمة تفتيش حقائب الركاب عند مداخل صالات السفر إلى شركات الطيران العاملة ذاتها، أو شركات خاصة لهذا الغرض، تحت إشراف الشرطة، وإنشاء هيكل إدارى واحد للأجهزة الشرطية بالمطارات على مستوى الجمهورية، واختيار أفضل العناصر من الضباط أو الأفراد للعمل بالمطارات، والاهتمام بمنهج إدارة الأزمات والكوارث والتدريب على السيناريوهات المعدة سلفاً لمواجهة أى خطر، كما نبّه «العماوى» إلى ضرورة إطلاق برامج متنوعة لخدمة المجتمع المحيط بالمطارات كضرورة لكسب ود وتأييد هذا الجمهور، باعتباره خط الدفاع الأول، وأخيراً شدّد على الحاجة الماسة إلى تشجيع البحوث والابتكارات، بما يسمح بإتاحة الفرص للتنبّؤ بالتهديدات، حتى لا تظل المواجهات الأمنية مقتصرة على «ردود فعل لفكر إجرامى متطور».