سألت مسئولاً محلياً (محافظ) فى دولة أوروبية: ما مهام وظيفتك؟ أجاب: أمران لا ثالث لهما؛ الاستثمار والتشغيل، هذه الإجابة أتذكرها كلما قرأت خبراً عن قيام المحافظين المصريين بالتفتيش على كشوف الحضور والانصراف للمؤسسات التابعة لهم وكأنهم مديرو شئون عاملين،
المحافظ عندنا لا يعرف لماذا تولى منصبه؟ ولماذا تركه؟ وما مهمته الأساسية؟ ولذلك يخترع جولات للتفتيش على الموظفين وضبط المتغيبين عن عملهم رغم أن عدد الموظفين فى المصالح الحكومية أضعاف المطلوب وإذا تغيب نصفهم لن يتأثر سير العمل.
ربنا سبحانه وتعالى منح هذا البلد ثروات وموارد طبيعية لا تحصى، ووهب كل محافظة ميزة تنافسية مختلفة عن الأخرى من الموانى والآثار والزراعة والصناعة والبحيرات والسياحة (شاطئية ودينية وعلاجية)، أو فرع لنهر النيل (20 محافظة)، أو موقع على البحر، أو ثروة سمكية أو تعدينية أو معجزة إلهية؛ ففى سيناء كلم الله موسى، وفى دمياط التقاء النهر بالبحر، ومن العريش لأسيوط 25 مساراً للعائلة المقدسة، وفى محافظات القناة أهم ممر ملاحى دولى، 11 محافظة مطلة على البحرين الأحمر والمتوسط ومؤهلة لكى تكون مناطق حرة أفضل من دبى وهونج كونج وسنغافورة، حتى سوهاج التى توصف بأنها المحافظة الأكثر فقراً فإنها تطل على نهر النيل وبها مساحة أراضٍ كبيرة صالحة للزراعة ومدينة تعوم على الآثار (أخميم)، وفيها أيضاً محاجر ومطار وجامعة وصناعات يدوية، ومع ذلك سوهاج تكتوى بنيران الفقر والجهل والمرض.
المحافظات المصرية لا تعانى من فقر الموارد بقدر معاناتها من فقر الفكر، لذلك كنت وما زلت أتمنى أن تكون الإدارة للعقلية الاقتصادية الاستثمارية، حتى المحافظات التى تتطلب إدارة عسكرية أو أمنية يكون بجانب محافظها مستشار اقتصادى.
أكثر من نصف قرن وطريقة اختيار المحافظين لم تتغير مجاملة ومكافأة نهاية خدمة، فالاختيار لأهل الثقة والمحبة وإرضاء بعض المؤسسات بعيداً عن الكفاءة والخبرة والإنجازات السابقة، حتى أصبح حال المحافظات لا يسر عدواً ولا حبيباً وتعانى من مشاكل كثيرة، والمواطنون نادراً ما يتذكرون محافظاً ترك بصمة أو إنجازاً حقيقياً.
المحافظات طاردة للسكان، وعبء على العاصمة بسبب سوء الخدمات وانتشار البطالة وانعدام التنمية، وكيف تكون هناك تنمية وعقلية الفقر هى التى تدير والمحافظون يتعاملون مع المستثمرين على أنهم حرامية ولصوص؟! المحافظ الكفء يحمل الكثير عن كاهل رئيس الجمهورية، ويستثمر الموارد المتاحة لديه ولا يكون عبئاً على الميزانية العامة للدولة، ومصر تفتقد المحافظ المبدع اقتصادياً، ولذلك كنت أتصور أن يكون لدينا حصر للشخصيات الاقتصادية الناجحة فى القطاع الخاص والجامعات ويتم تأهيلهم ثم تعيينهم محافظين أو نواباً ومستشارين بصلاحيات لمدة وبمهام محددة، ثم يكون هناك حساب وثواب وعقاب.
د. هشام الشريف، وزير التنمية المحلية، فى حوار معه منذ ثلاث سنوات قال لى مدينة «بنجالور» الهندية تصدر سنوياً بـ160 مليار دولار برمجيات، أتمنى أن يكون «فاكر» هذا الكلام بعد توليه المنصب وينفذ ما كان يتحدث عنه وتكون لدينا مدينة تصدر برمجيات حتى بـ160 ألف جنيه.
أصبح لدينا قانون جديد يشجع الاستثمار ولكن النجاح يتوقف على عقلية الإدارة المحلية التى تطبق القانون وتتعامل مع المستثمرين.
إنه عام الحسم للرئيس ويجب أن يكون هناك تحسن اقتصادى فى حياة المواطن قبل الانتخابات، وهذا لن يحدث إلا من خلال وجود إدارة اقتصادية لكل مؤسسات الدولة وأن يكون لدينا محافظ خبير فى الاستثمار وليس خبيراً فى ضبط الموظفين المزوغين.