فى آخر تطورات منظومة الخبز التى أقرتها وزارة التموين والتجارة الداخلية تم وضع مواصفات خاصة لرغيف العيش المصرى المدعم، وأصبح لزاماً علينا نحن المصريين أن نقرأ ونعرف الفرق فى الوزن والقطر لكل نوع من الخبز الذى اعتدنا على الاعتماد عليه فى جميع وجباتنا فى مختلف منازلنا، فالأسرة البسيطة تتساوى فى ذلك مع القادرة والغنية. والطريف أن تصدر الوزارة جدولاً تنشره الصحف يضم مواصفات الرغيف المدعم والسياحى رقم ١ والسياحى ٢ والسياحى ٣، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إنه أعلن تحرير سعر رغيف القمح والدقيق لأصحاب المطاحن والمخابز كما لو كنا نتحدث عن العملات الأجنبية. وحتى لا يعتقد أحد أننى أنقص من قدر الخبز حاشا لله وجدت لزاماً علىّ أن أقص عليكم التاريخ القديم والحديث له. فبطل هذه المقالة تحدثت عنه موروثاتنا المصرية القديمة وحظى بالعديد من الأمثال الشعبية، كما أنه ذكر فى القرآن الكريم؛ ففى سورة يوسف الآية (٣٦) قال تعالى: «وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْه نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ». ويحتل الخبز مكانة مهمة فى الأحلام، فقد خصص له العالم الإسلامى (ابن سيرين) باباً كاملاً فى كتابه حول تفسير الأحلام، فيقول إن من رأى الخبز فى المنام دل ذلك على تدينه وقراءته للقرآن، كما أنه رمز للزوجة الصالحة والأم التى ترعى أولادها. أما إذا رأى الرجل فى منامه خبزاً نقياً دون شوائب دل ذلك على حياة صافية هادئة والعكس صحيح، أما من يرى فى نومه أنه يخبز فهو يكافح من أجل الرزق ومن يحمل فى يده رغيف الخبز دل على طول العمر. وقد حرصت التقاليد المصرية على الحفاظ على أى قطعة خبز مهما صغر حجمها فاعتدنا أن نرفع عن أرض الطريق أياً منه نراه ونضعه جانباً خوفاً أن تدوسه الأقدام. ومن تراثنا القديم تلك النصيحة التى كانت ترددها الأم لولدها الباحث عن عروس (ما تاخدش أم كحلة ولبانة وقت العجن تعمل عيانة. ما يعجبكش قصتها ولا كحلتها وقت الخبيز يا لخمتها) حيث اعتادت العائلات فى ريف مصر أن تعد الخبز فى المنزل وكانت له طقوس جميلة ولا بد أن تشارك فيه نساء العائلة كلها، وليس الأمر كذلك فقط بل إن يوم إعداده كان المنزل يزود بأكلات دسمة يتم فيها استخدام الفرن بعد الانتهاء من الخبز. وفى الأمثال الشعبية التى وثقها أحمد تيمور باشا فى كتابه القيم الذى يحمل اسمها يلعب الخبز فى أحد الأبواب دور البطولة ومنها ما يتحدث عن الحاشية التى تحيط بالحاكم (اللى ياكل من خبز السلطان يضرب بسيفه)، و(اللى ياكل لقمتى يسمع كلمتى)، وعن حاجة الإنسان لشىء ما (الجعان يحلم بسوق العيش)، ولإبراز أهمية مكانة الخبز ووجوب عدم إهداره (لم النعمة تلمك) و(اللى يستنكر غموسه ياكل عيش حاف) و(كل قرصك والزم خصك)، والقرص هو رغيف الخبز، و(كل لقمة تنادى أكالها)، ويعنى أن الرزق مقسوم لكل إنسان، و(كل لقمة فى بطن جائع أخير من بناية جامع)، وذلك للحث على إطعام الفقراء. وقد اعتادت نساء الريف أن يتحدثن للخبز أثناء إعداده كنوع من التدليل لضمان جودته حتى تتباهى أمام باقى النساء، فكانت تقول تلك الكلمات، التى تعتبر من الموروث الشعبى القديم: (حلاوتك تجيلك وتطرح البركة فيك ومن أكل منك شبع، ومن شافك قنع). وقد اعتاد المصريون على وصف العمل بأنه (لقمة العيش) أو (أكل عيش). وعند الحديث عن الوفاء والثقة ووجوبهما (يحفظ العيش والملح)، أى إنه مخلص للأصدقاء.
وعالمياً يعتبر الخبز هو الغذاء الرئيسى فى الشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا، وفى بعض البلدان تضاف إلى مكوناته الأساسية، وهى الدقيق والماء والملح والخميرة، إضافات خاصة مثل الفواكه أو التوابل أو الخضراوات تبعاً للتقاليد الخاصة بالشعوب.. ففى سلوفانيا يوجد عيش (القمح الأسود) ويصنع من دقيق القمح والبطاطا، وفى بريطانيا (عيش أناداما) من دقيق الذرة والدبس. أما الهند وسريلانكا فيصنعون (عيش أبام) من دقيق الأرز المخمر والبهارات والكارى. وفى أمريكا الجنوبية يصنع خبز (إربيا) من دقيق الذرة. أما الصين فلديهم (بابا خبز) وله حشوات مختلفة. أما اليهود الأشكيناز فيصنعون (كعك باغيل) حيث يوضع على وجهه بذور الخشخاش والسمسم. وفى جامايكا يصنعون خبز (بامى) وهو خبز مسطح يغطس فى حليب جوز الهند ثم يقلى. أما أسكتلندا فيأكلون خبز (بانوك) المقلى أو المخبوز. وفى مقاطعة ويلز بالمملكة المتحدة يعدون خبز (بارابريث) مع إضافة قطع الفاكهة. وفى تركيا يوجد خبز (بازلاما)، بينما يصنع فى ألبانيا (خبز الحمص) من دقيق الحمص. أما عن صعيد مصر ومن منا لم يتذوقه (العيش المرحرح) فهم يصنعونه من قديم الزمان حتى الآن من دقيق الذرة ويضيفون له الحلبة المطحونة ليظل دائماً هو الرمز للمزارع المصرى الأسمر. ويظل أيضاً هو المنافس لمنظومة الخبز الجديدة.