ما الذى ينتظره السادة المحافظون لتحرير النيل من احتكار البعض له؟ ولماذا لا يتحركون لهدم جدار الفصل العازل بين الناس والنيل على طول ضفاف النهر؟ الحقيقة هى أسئلة حائرة لأن المخالفات واضحة جداً وظاهرة كضوء الشمس يراها كل من يسير فى الطريق العام، وتمتد متصلة لعشرات الكيلومترات، لكن يبدو أن نفوذ البعض يمنع المحافظين من استرداد حق الناس فى نيلهم.
الواضح أن المحافظين يتعاملون مع الأمر باعتبار أن المصريين لا حق لهم أساساً فى مشاهدة نهر النيل والاستمتاع به والتنزه على ضفافه، والدليل على ذلك هذا الصمت المريب على مئات المخالفات المتزايدة، التى تقصر الاستمتاع بمباهج النهر على فئات وجماعات محدودة وعلى القادرين بتوفير تكاليف هذا الاستمتاع.
كنت زمان تستمتع بالنهر وأنت تجلس على ضفته وبيدك «سميطة» وشوية «دُقة» أو «كوز درة» أو كوب «حمص شام» لا يكلفك الأمر سوى قروش قليلة، الآن أنت مطالب أن تكون عضواً بجماعة فئوية حتى تحصل على عضوية نادٍ نهرى أو تمتلك من الأموال ما يكفى لدخول مطعم فخم يكلفك مئات الجنيهات لتناول وجبة شهية وسط أجواء النهر الخالد المبهرة المبهجة.
البعض قرر احتكار هذه الحالة الإنسانية الجميلة وأقام جداراً عازلاً بين الناس والنهر الخالد، وعلى طول الطريق فى محافظتى القاهرة والجيزة، مثلاً، لا ترى سوى جدران أسمنتية ضخمة ومن السيراميك أيضاً -آه والله سيراميك- وسواتر وأعمدة مسلحة، ومطاعم وكافتيريات غاية فى الفخامة لا تقل عن خمسة نجوم، ومقار أندية لفئات اجتماعية مختلفة قررت جميعها الاستيلاء على ضفاف النهر، ويبدو أنها قررت حماية جمهورها من نظر الناس وحسدهم فأقامت تلك السواتر وزرعت نباتات عالية الارتفاعات حتى لا تستطيع أن تشاهد ما يجرى خلفها، وأصبح مجرد مشاهدة النهر بمثابة حدث فريد يمكنك أن تتحدث عنه بانبهار.
فى التسعينات سمعنا كلاماً وتصريحات لمسئولين من عينة صدرت الأوامر بمنع أى بناء مرتفع على ضفاف النيل، وعلى الهيئات الراغبة فى إقامة أندية أو المستثمرين الراغبين فى إقامة مشروعات استثمارية أن يكون سطح المنشأة محاذياً لسطح الأرض حتى يستطيع الناس مشاهدة النيل والاستمتاع به، وألا تكون هناك أى عوائق تمنع رؤية النهر، ولكن الواقع جاء مخالفاً لكل هذه التصريحات والقرارات -إن كانت هناك قرارات- وسادت حالة أقل توصيف لها احتكار ضفتى النيل وعدم قدرة الناس على الاستمتاع بهما، فقرر الناس استبدال المكان للاستمتاع بالنيل من ضفاف النهر إلى أسطح الكبارى التى تحولت لبديل يكتظ بالبشر وباعة الحمص والبطاطا والذرة والسميط، واحتلت الأرصفة كراسى و«ترابيزات» الباعة، وازدحمت الكبارى، فاضطرب المرور وازداد الازدحام، بعد ما أصبح رصيف الكوبرى هو السبيل لاستمتاع المصريين بالنيل.
الحقيقة أن استرداد حق الدولة واجب، لكن أيضاً استرداد حق الناس واجب، فالدولة والناس وجهان لعملة واحدة، والسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى كان واضحاً فى هذا الأمر خلال حملته الدعائية لولايته الأولى فلا تخذلوه أيها السادة المحافظون.
حتى الآن «النيل ما جاشى».