ملاسنات وتهديدات تردّدت خلال الأيام الماضية بين زعيم كوريا الشمالية كيم جونج، والرئيس الأمريكى دونالد ترامب. «جونج» هدّد أمريكا بالتدمير، وهو التهديد نفسه الذى جاء على لسان مسئولين عسكريين كوريين، حين خرجوا يهدّدون بتدمير أمريكا. «ترامب» هدّد كوريا -رداً على هذا الكلام- بنار وغضب لم يشهدهما العالم من قبل. كلام الرئيسين الكورى والأمريكى يمكن أن يُصنّف فى عداد «المزاح» أو «الهزار»، لكن هل يمكن أن يتحول «الهزار» إلى «جد»؟.
المسألة صعبة للغاية، فمبدئياً القرار -فى الولايات المتحدة الأمريكية على الأقل- ليس فى يد «ترامب» وحده، لكنه فى يد مؤسسات الدولة العميقة هناك، والكل متفق على أن الدولة الأمريكية العميقة لا تكترث بكثير مما يقوله أو يفعله «ترامب»، وتفرض ما تريده عليه فى التوقيت المناسب. أما فى كوريا التى يديرها نظام مستبد غشوم، فالقرار فى يد «جونج» ومجموعة القادة المحيطين به ممن تعوّدوا على الامتثال لأوامره، لكن مسألة الحرب ليست سهلة، خصوصاً إذا كانت فى مواجهة الدولة الأولى عسكرياً فى العالم، وبالتالى يصح أن نأخذ الكلام الصادر عن «بيونج يانج» على محمل «الهزار»، أو اللغو السياسى، الذى يستهدف تحقيق أهداف إعلامية دعائية من الصعب أن تصاحبها قرارات عملية على الأرض.
من ينوى الفعل لا يتحدث كثيراً، أما من يتحدث كثيراً، فالعقل ينصح بعدم أخذ كلامه على محمل الجد. ذلك شأن الرئيسين الكورى والأمريكى، أولهما لم يتوقف عن تهديد العالم ودول العالم بالويل والثبور وعظائم الأمور طوال السنوات الماضية، هذه الدولة سيُدمّرها، وتلك سوف يزيلها من فوق الخريطة، لكنه يتوقف عند حد الكلام، مؤكداً أنه قادر على التحدى، وتطوير القدرة التسليحية لبلاده، لكنه يميل إلى استخدام «غطاءات لفظية» أكثر مما يميل إلى الفعل على أرض الواقع. وبالنسبة إلى «ترامب»، فإنه لا يقل مهارة عن نظيره الكورى، فى ما يتعلق بمسألة «الجعجعة». تحدّث «ترامب» كثيراً أثناء حملته الانتخابية وقدم وعوداً لا حصر لها للشعب الأمريكى على المستويات الاقتصادية والسياسية، الآن مرّت عدة شهور على دخوله البيت الأبيض، ورغم ذلك لم ينجز شيئاً مما وعد به. كل ما نجح فيه هو لعب دور «التاجر» على حكام الجزيرة والخليج العربى، ولهف منهم مليارات مقابل الحصول على مساندة أمريكية فى ملفات بعينها. وتقديرى أن أغلب من تصافق مع «ترامب» اشترى «الترام» ليس أكثر.
قد يقول قائل إن التاريخ يحركه مجموعة من الحمقى. ومن الوارد جداً أن يتحامق الرئيسان إلى حد توريط العالم فى حرب لا يعلم أحد مداها. هذا الكلام صحيح ولا شك، لكن ظنى أن المعادلة الزمنية الجديدة التى تحكم العالم حالياً، تجعل هذا الأمر مستبعداً. فما كان يصح فى الماضى أو فى زمن معين غادره البشر، من الصعب أن يكون فاعلاً فى الزمن الجديد. شعوب العالم فى القرن الحادى والعشرين تختلف عن الشعوب التى جرّها الحمقى إلى حروب عالمية كبرى خلال القرن العشرين، أدت إلى إزهاق أرواح. الأثمان الباهظة التى دفعتها الشعوب فى تجاربها آلمتها، لكنها علمتها.