(1)
المتطرفون المسلمون فى الغرب هم المستشرقون الجُدد.. هم الجناح الفكرى للاستعمار الجديد.. يُعطون المبرر للكراهية، ويقدمون أسباب العداء للإسلام والمسلمين.
إنهم يعملون من أجل «إخراج الإسلام» من أوروبا.. بعد تقديم الإسلام باعتباره «طابور خامس إسلامى» فى الحضارة الغربية.. وهكذا يعمل هؤلاء فى خدمة استراتيجية تتكون من مرحلتين: إخراج الأقليات المسلمة من الدول غير الإسلامية، وإضعاف الدول الإسلامية بالتطرف من داخلها واللاجئين المسلمين إليها من خارجها!
(2)
فى العالم (1٫8) مليار مسلم.. منهم (1٫3) مليار فى دول إسلامية، وهناك نصف المليار مسلم فى دول غير إسلامية.
إن الأقليات المسلمة ليست «جاليات» كما يردّد البعض فى الغرب.. إنهم مواطنون فى بلدانهم.. المسلمون فى أمريكا هم «أمريكيون مسلمون» وليسوا «مسلمين مقيمين فى أمريكا».. والمسلمون فى أوروبا هم «أوروبيون مسلمون» وليسوا «جاليات مسلمة فى أوروبا». كما يوجد «الروس المسلمون»، و«الهنود المسلمون» و«الصينيون المسلمون» و«البرازيليون المسلمون». يجب أن يكون شعارهم «الدولة وطننا والإسلام ديننا».. ذلك أنهم «مواطنون» و«مسلمون».. وليسوا «مسلمين فقط».
ربما كان من المناسب إطلاق وصف «الجاليات المسلمة» على الموجة الأولى من المسلمين الذين ذهبوا إلى أوروبا فى أعقاب الحربين العالميتين.. لكن أوروبا تشهد الآن الجيل الخامس، الذى لا يعرف وطناً غير الذى يعيش فيه.. ومن غير المنطقى اعتبار هؤلاء «جاليات».. إنهم مواطنون.. منهم الساسة والأطباء، ومنهم الإعلاميون والمهندسون.. ومنهم الوزراء والعلماء.. وهم جميعاً وغيرهم من المواطنين المسلمين.. ليسوا مجرّد جاليات، أو أنهم أناس يقضون بعض الوقت ثم يعودون.
هم ليسوا فى سفرٍ حتى يعودوا، ولا هم فى ترحال حتى يغادروا.. هم فى وطنٍ ليس لهم سواه. إن إظهار هؤلاء فى كل العالم باعتبارهم «جاليات» إنما يعمل على صناعة كارثة عالمية تفوق فى نتائجها الحربيْن العالميتيْن.. ذلك أن خمسمائة مليون مسلم لا يمكنهم المغادرة إلى مكان آخر.. أو الذهاب إلى وطن بديل.. هذه أوطانهم، وهذه دولهم.. وهم أصحاب الوطن مثل غيرهم من غير المسلمين.
يجب أن نعمل جميعاً من أجل تكريس ذلك.. أن يكون الأوروبى المسلم مواطناً ومسلماً.. أن يوازن بين الاندماج والخصوصية.. بين الوطن والدين.
(3)
لقد سمعتُ توافقاً كبيراً بشأن هذه الرؤية أثناء حضورى «الندوة الدولية لرابطة العالم الإسلامى» فى مكة المكرمة.. بحضور الأمين العام للرابطة، الدكتور محمد العيسى، وعدد من الدعاة والمثقفين المسلمين البارزين فى أوروبا.. ولقد وجدت معالم القلق باديةً على كثيرٍ من الحضور الذين باتوا يرصدون فى خوفٍ شديدٍ الانتقال من مرحلة «القلق من الإسلام» إلى مرحلة «العداء للإسلام».
إن الكثير من المراكز الإسلامية فى الغرب يديرها جهلاء أو مرتزقة يعملون من أجل اليورو والدولار.. إن معظم خطباء المساجد فى أوروبا ليسوا مؤهلين للدعوة ولا الخطابة.. وفى فرنسا يوجد أكثر من (3000) مسجد ومصلّى.. بينما يوجد أقل من (500) إمام وخطيب فقط.. السؤال إذاً من الذى يدير الـ(2500) مسجد المتبقية فى كل الدولة الفرنسية؟!
وأتذكر أننى حين زرت «مسجد باريس الكبير» والتقيتُ المسئولين فيه مع الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، كان مسئولو مسجد باريس يتوسلّون دخول الأزهر إلى المراكز والمساجد الإسلامية لضبط الدعوة والتأكد من مستوى الدعاة.
إن المراكز الإسلامية فى أوروبا تحتاج إلى تطبيق معايير الجودة الشاملة.. «أيزو الدعوة»، ويحتاج الأئمة فى أوروبا إلى طريقة علمية ورسمية لإجازتهم للخطابة.. وتحرير مساجد المسلمين من الجهلاء والعملاء ومن سطوة المتطرفين.
إن تأسيس الأزهر الشريف لرؤية إدارية عالمية حديثة.. وإخضاع أكبر عدد من المساجد فى الدول غير الإسلامية لها.. هو طريق أساسى وربما يكون الطريق الوحيد لضبط الخطاب الإسلامى فى اتجاه التسامح والوسطية والمسئولية.
إن تقديم الرسالة الأخلاقية للإسلام، والرسالة الحضارية للمسلمين.. إنما يحتاج إلى تحرير المساجد والمنابر من احتلال المتطرفين.. ومحنة المستشرقين الجدد.
من المؤسف للغاية أن يكون خريف المستشرقين الغربيين هو ربيع المستشرقين المسلمين.. وأن يحلّ المستشرقون الجدد محلّ المستشرقين القدامى.. فى تحقيق نفس الرسالة.. تدمير الإسلام خارج أرضه.. ثم تدمير المسلمين داخل ديارهم.
الغباء خيانة.. والعقل وطن.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر