استمعت لكلمات رئيس الجمهورية فى حفل عيد العلم عن تطوير البحث العلمى وأهميته وزيادة ميزانيته بضعة مليارات، وكيف أننا بحاجة لجهود الباحثين الجادين المميزين فى كل مجالات البحث العلمى. سعدت لاهتمام الدولة بهذا المجال المهم، ولكننا بحاجة لرؤية متكاملة فيما يتعلق بقضية البحث العلمى الذى لا يُعد ترفاً، أو مجرد وسيلة لتحديد مكانة دولة، ولكنه اليوم بات مصدر دخل، ومصدر قوة ومصدر ثبات قدم.
وما يعنينى فى الرؤية العلمية دون الدخول فى تفاصيل لست من أهلها، بل أتركها لمن هم أجدر منى لاستكمالها، هو ضرورة ربط الصناعة بالبحث العلمى فى بلادنا، ليكون البحث العلمى وسيلة من وسائل حل مشكلات الصناعة، ومنح المنتج المصرى سمات التنافسية التى تؤهله للتصدير بقوة، وهو أمر ليس بالجديد على العالم ولا بالجديد علينا.
فإسرائيل الفقيرة فى الدخل المائى إلى حد العوز سعت لتكثيف بحثها العلمى فى مجال إعادة تدوير المياه واستخلاص المياه النظيفة من مياه القمامة ومياه الصرف، وكذلك محطات تحلية مياه البحر على أعلى مستوى، بالإضافة إلى أساليب الرى الموفرة لكل نقطة مياه فى ذات الوقت الذى تمنح طريقة الزراعة أعلى نسبة محصول، وهكذا حلت إسرائيل مشاكلها مع ندرة المياه وشحها، والأهم أنها باتت مصدرة لتكنولوجيا المياه، بل وتعد من الدول المتقدمة فى هذا المجال.
أما فى مصر، فقد ربطنا البحث العلمى بالصناعة، حينما كان دكتور هانى الناظر رئيساً للمركز القومى للبحوث منذ عام 2004 حينما ذهب للمصانع واتحاد الصناعات يسألهم عن مشكلاتهم التى يبحثون عن حل لها، وجعل قاعات المركز ومعامله تعمل على حلها بدلاً من العمل دون رؤية.
نعم يا سادة، نحتاج لربط الصناعة بالبحث العلمى بالتعليم الفنى فى بوتقة واحدة، نزيل فيها عن كاهل التعليم الفنى كل قيود تخلفه وتراجعه فى ظل مناهج لا علاقة لها بالتصنيع. واسألوا عن مدرسة التصميم والنسيج فى مصنع مارى لوى للملابس فى العاشر من رمضان واسألوا عن مدرسة الطباعة بمطابع نهضة مصر للنشر، اسألوا لتعلموا كيف صارت المدرسة فى قلب المصنع وكيف تحسن فهم وإقبال وإنتاج الطلبة وكيف استفادت المصانع. هى تجربة ناجحة بكل المقاييس، ولكنها تحتاج لمؤسسية فى العمل ومنظومة دولة تدرك أن البحث العلمى أساس تطور الصناعة وأن المصنع مكان ممارسة التجارب والبحوث وحل المشكلات وتطوير العمل.
سمعت أننا بصدد تشكيل مجلس أعلى للتعليم الفنى ولا أعرف جدوى ذلك، ولا أثق فى جدواه، خوفاً من زيادة الهياكل الإدارية المنوط بها إدارة ملفات الدولة. ليس هذا، وفقط، ولكننى وبالتجربة أدركت أن كل ملف نريد دفنه حياً، فعلينا إنشاء مجلس له وإلا فماذا فعل 33 «مجلس أعلى» فى بلادى فى شتى المجالات من عينة المجلس الأعلى للصادرات، والمجلس الأعلى لشئون التعليم والطلاب والمجلس الأعلى للصحة والمجلس الأعلى لشئون خدمة وتنمية المجتمع والبيئة.. هل تعلمون أنه لدينا مجلس أعلى للمرور!!! آه والله؟! وهو أحد المجالس فى القائمة التى لو أكملتموها، لأدركتم عدم حاجتنا لمجالس تموت فيها القضايا والملفات، ولكننا بحاجة لمنظومة حقيقية نقضى بها على البيروقراطية وتترابط فيها أطراف العمل بين بحث وتصنيع وأيدٍ عاملة.
تذكرت الفنان الراحل فؤاد المهندس فى فيلم «عائلة زيزى» حين كان يجرى أبحاثه على ماكينة لتصنيع الغزل فى حجرته كان حلمه أن يضع بها القطن من جانب، فيخرج غزلاً من الجانب الآخر، وقد فعلها فكان تجريب المنتج فى مصنع «حماه»، وهكذا «طلّعت قماش». وبمعنى آخر ننجح حينما تتجاور منظومة البحث العلمى والتصنيع والأيدى العاملة، ولنا فى دواء الكبد الوبائى عبرة ونموذج يا سادة.