وكأنها سيمفونية متناسقة النغمات. رئيس مجلس النواب يطلق الشرارة، خلال مناقشته إحدى رسائل الدكتوراه، ويقول إن الدستور الحالى يحتاج التعديل، بعدها يُحيى أحد أعضاء المجلس مقترحه الخاص بتعديل عدة مواد من الدستور، من بينها المادة الخاصة بمدة الرئاسة، وهو مقترح سبق أن تقدم به إلى مجلس النواب، وطُلب منه وقتها التأجيل حتى حين، ويكتمل المشهد بخروج رئيس لجنة الأمن القومى بمجلس النواب متحدثاً حول نفس الموضوع فى مداخلة تليفونية مع أحد البرامج الفضائية. الأعضاء الذين يتبنون هذا الطرح يظنون أنهم يسدون خدمة إلى السلطة السياسية، وتقديرى أنهم يفعلون العكس تماماً لعدة أسباب.
السبب الأول الذى يجعلنى أذهب إلى القول بأن أصحاب هذه الدعوات يسيئون للسلطة الحاكمة أن «الدستور» موضوع نخبوى بالأساس، لا يهم المواطن العادى كثيراً. ولو كان المصريون يهتمون بأمر الدستور لأبدَوا أى نوع من الامتعاض إزاء تهميشه وعدم الاكتراث بمواده وتجاوزها وعدم تفعيلها فى العديد من المشاهد. المواطن مشغول بما هو أهم بالنسبة له، والكل يعلم أن أمر المعايش وتدبير الاحتياجات اليومية يمثل هم الليل والنهار بالنسبة للمواطن المصرى، إذا أضفنا إلى ذلك حالة الإحباط والعدمية التى أصبحت تسيطر على نسبة لا بأس بها من المواطنين، فلنا أن نتوقع حجم المشاركة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقترحة. حجم المشاركة فى ظنى سيكون محدوداً للغاية، وسيضع الجميع أمام «مشهد يكسف»، ما يعنى أن دعاة التعديل يريدون وضع النظام السياسى فى امتحان شديد الصعوبة، يخيل لى أن الأسهل منه إجراء الانتخابات فى موعدها.
السبب الثانى يتعلق بالذريعة التى يسوقها دعاة التعديل، وتتمثل فى التكلفة المالية للانتخابات الرئاسية، التى تصل إلى 2 مليار جنيه، هؤلاء الطيبون يريدون إقناعنا بأنهم حريصون على المال العام، كيف يتأتى لأحد الاقتناع بذلك بعد أن قرر مجلس النواب رفع ميزانيته نهاية الفصل التشريعى المنصرم، رغم ما يعلمه الأعضاء من أن الموازنة العامة للدولة تعانى عجزاً مضنياً تتكل الحكومة على الشعب فى سدّه؟، الأخطر من ذلك أن من ضمن المواد التى دعا الطيبون إلى تعديلها المادة رقم 103 التى تشترط تفرغ العضو للعمل بمجلس النواب، مع الاحتفاظ بوظيفته دون أن يقبض مرتباً منها. الطيبون يريدون تعديل المادة لتنص على استثناء الكفاءات والخبرات النادرة ليجمعوا بين مرتبهم من مجلس النواب ومرتبهم من وظيفتهم، مع زيادة مكافأة المتفرغين بشكل كامل!.
السبب الثالث يتعلق بحالة الصداع التى تسببها بعض مواد دستور 2014 لبعض النواب، فى وقت يلاحظ فيه الجميع أن مواد الدستور غير ملزمة لأحد. على سبيل المثال، المواد التى تنص على تخصيص نسبة محددة من الموازنة العامة للتعليم والبحث العلمى والصحة أين هى؟ المواد المتعلقة بالفصل بين السلطات أين هى؟ بالإضافة إلى مواد أخرى عديدة يمكن الاستشهاد بها فى هذا السياق. دعك من ذلك وتذكر إصرار بعض نواب المجلس الحالى على عدم القَسم على الدستور لأنه ذكر ثورة يناير بخير فى مقدمته. ما دام كل شىء مباحاً مع هذا الدستور.. فما الحاجة إلى تعديله؟. إنه دستوركم!.