قارئى العزيز، هل عاملت نفسك من قبل بمبدأ الاستحقاق؟ قبل أن تبحث عن إجابة نموذجية تحمل فى طياتها ما يكفى من الفزلكة والتنظير الذى يجعلك تبدو أحمقا أكثر من كونك شخص عميق لترد بها على هذا السؤال، عليك أن تتبع الإرشادات الخاصة بقراءة هذا المقال حتى نقف جميعا على نفس منصة الفهم.
أولا عليك أن تعلم أننى لا أقصد بمبدأ الاستحقاق جميع الأشياء التى لم تحصل عليها رغم شعورك غير المبرر بمدى استحقاقها، كالوظيفة التى لم تُقبل فيها لعدم جدارتك أو ضعف مؤهلاتك رغم أنها حقيقة واضحة وضوح شمس أغسطس الحارقة، أو الترقية التى ذهبت لغيرك بعد أيام من السهر فى العمل وكنت تعرف فى قراراة نفسك أنك تستحقها بدلاً منه، رغم إنك لم تتكبد عناء السهر ليلة واحدة بعد مواعيد عملك الرسمية، فيما عدا التواجد فى الحفلة السنوية للشركة التى يحييها المطرب العلانى لتتملق الموظفة الفلانية، أو كالفتاة التى تركتها ولكنك شعرت بمدى استحقاقك لها بعد أن تزوجت بشاب مثالى يبدوا كعارضى الأزياء مقارنة بك، والذي كنت تتمنى لو حصلت على توقيعه ذات يوم وقد اختار أن يفعل ما لم تفعله للفوز بفتاتك، أو الحلم الذى أصابك بالقهر والحسرة بمجرد رؤية غيرك يحققه بعد تعب وعناء تكاسلت أنت عن القيام به، ورغم كل هذا شعرت بمدى استحقاقك للنجاح والفرح والغنائم التى حصل عليها آخرون.
لا أقصد بمبدأ الاستحقاق النظرة إلى كل مارغبت به وامتلكه غيرك، فعينت نفسك قاضيا على الأرزاق تقرر من يستحق ومن لا يستحق بنظرة لا تحمل سوى الأنانية والحقد والاعتراض على هذا التوزيع الربانى، عزيزى شعورك هذا لم يكن يوما استحقاقا ولكنه حالة مرضية تسمى "النفسنة"، أنصحك أن تذهب لطبيب على الفور قبل تطور الحالة وانتقالك لمرحلة إعطاء "الأسافين" المؤذية لفظياً أو حياتياً للمحيطين.
إذا كنت من هؤلاء الذين يفكرون بطريقة "إذا كان فلان يستحق ما حصل عليه أو لا؟" فهذا المقال غير مخصص لك، أرجوك توقف عن قراءته وإبدأ العلاج فوراً، أعنى هنا بمبدأ الاستحقاق هو مدى رضاءك وقبولك لوضع أو علاقة أو حلم أو وظيفة تؤمن أنها دون المستوى، تقتل كل أجزاء روحك بالبطيئ وتزيد من إحساسك بالضياع وتدفعك إلى الانتحار الفكرى والاجتماعى، وتحِط من قدراتك وتحولك لأسوء نسخة منك لمجرد شعورك بالخوف من أى شيئ مادى دنيوى زائل، أو لمجرد اقتناع مجموعة من الأشخاص بأنك تستحق هذه الحياه التى خلقت من أجلها، بدافع قمع قدرات ومهارت تبدو غريبة للبعض ولكنها تغذى روحك بطاقة الحياة، أدرك جيداً أنك تعرف تماما ما أقصده وتشعر بما أحاول وصفة من مشاعر مؤذية تحقن روحك باحتياطى طاقة سلبية تحقق لك الاكتفاء الذاتى من الاكتئاب والعزلة والغربة وربما الوحدة.
أعلم جيدا أنك تفكر كثيرا فى رفض الوضع أو التمرد عليه، لكنك تخشى النتائج المظلمة التى يُهيئ لك أنها ستنهى حياتك بالمعنى الذى تعرفه واعتدت عليه، أو ستصيبك بالضياع وستزيد من البؤس الموجود فى حياتك، توقف لحظة، لا تستمع لتلك الأفكار والهواجس كلها مجرد أوهام وشمت على قلبك وعززها تربية الأهل، استمع للصوت الصغير الذى توقف عن النمو بداخلك بعد أن قمعته وتخليت عن إيمانك به.
للأسف التربية المتعارف عليها تعزز خلق النسخ وتتفنن فى صنع القوالب تحت اسم الحياة الآمنة والمستقبل المضمون، ولكن هل يوجد شيئ فى هذا الكون آمن بنسبة 100% أو مضمون بنسبة 80% حتى؟ قبل أن ترد فكر فى كل الذين أمضوا حياتهم راضخين للأوضاع التى فرضت عليهم أو علاقتهم المؤذية، وقارنهم بالمتمردين كاسرى القواعد الذين تغلبوا على عقبة الخوف من المجهول وعيش حياة الممكن وتحويل قائمة المستحيلات إلى إنجازات، هل فكرت.. وتخيلت.. لماذا لا تنحت اسمك بين كل هؤلاء المتمردين الذين اكتشفوا حقيقة وقيمة الحياة التى منحت إليهم، وماذا عن حياتك هل تقدرها؟ هل تحترمها فى الأساس؟ أم أنك تحاول النجاة منها فقط حتى تموت قبل إعلان وفاتك بعدة أعوام.
دون فلسفة وكلمات منمقة وتشبيهات أدبية واستعارات مكنية سخيفة طالما كرهتها فى اللغة العربية، لكن اعذرنى فقد اندمجت قليلا وانجرفت فى دواخلى العميقة، مبدأ الاستحقاق أن تقول "لأ" لأى شيء مهما كنت تحتاجه لأيمانك أنك تستحق أفضل، بالطبع هذا المبدأ لا يتماشى مع نظرية "البطر" المصرية الأصيلة المتعارضة مع فكرة الطموح، واللذان نتعلمهما معا ثم تأتى النخبة المثقفة تستنكر التناقض فى الشخصية المصرية، هل اتضح لك من يأتى الآن؟ تلك النظرية المسماهة بـ"البطر" تمنعك من التخلى عن وظيفة مقبولة اجتماعية لأنك ببساطة "بتتبطر،" وعادة يرافق هذا التعليق مجموعة من الكلمات والأمثال الشعبية على شاكلة "ما إنت مش وش نعمة"، فلترقد نعمة فى الجحيم مع تلك الوظيفة، ونجد هذا "البطر" يتجلى بوضوح عند قرار الاستقالة من مؤسسة الزواج وطلب الطلاق لكونك تتأذى يوميا على كافة الأصعدة أثناء استمرارك فى تلك المصيدة ولكن "ضل راجل ولا ضل حيطة"، و"المطلقة دي بواقى ست" مع احترامى "بواقى دي تبقى لا مؤاخذة......."، مع اعتذراتى الحارة لـ"بواقى" على هذا التشبيه، وبالطبع أفضل أن أكون مع رجل وليس ظلاً لرجل، وغالبا عزيزيتى عند رفضك لعريس بمقاييس الأهل المادية إنه لقطة لأنك لا تشعرى بالراحة والأمان معه أو بالأحرى لا تعرفيه أساساً، ستسمعين من الست الوالدة "بترفصى النعمة"، و"البطران آخرته قطران"، إذا خُيرت سأختار الزواج من قطران بدلاً من المدعو لقطة، وتقريبا ستضطر للتخلى عن أحلامك بسبب رضعة السلبية التى تتناولها يوميا من السوشيال ميديا والجلوس فترات طويلة مع الأصدقاء على القهوة ليقنعوك بصعوبة تحقيق تلك الأحلام الهلامية فى ظل تلك الظروف.
حقنا للكلام ومنعا للإطالة، أعتقد أن الملل بدأ يتمكن منك ومنى أيضاً إن لم تكن قد توقفت عن القراءة بعد الفقرة الأولى، ولكن ختاماً مبدأ الاستحقاق يتعلق بتقديرك لنفسك بتدليلك لها والاهتمام بها بما يحقق لها الراحة والسعادة، وأن تتصالح معها وتحاول فهمها كما يجب، وأن لا تحاول أبداً إرضاء الآخرين والمجتمع على حسابها فإن لنفسك عليك حق لا ليس حقا ولكن عدة حقوق.. وأخيرا لا تقبل بأقل ما تستحق حتى لا تستحق ما قبلت.