بعض الأفلام السينمائية قدمت شخصية الفلاح على أنه إنسان ساذج ينزح إلى القاهرة فتبهره أضوائها ويتعامل بلؤم مع الناس، وهذا غير صحيح بالمرة، فهو إنسان ذكي ومطلع ومتابع جيد لكل ما يدور حوله، ويستطيع التكيف والتأقلم مع كافه الظروف.
ولطالما حزنت كلما رأيت شخصا يعيب على الآخر في تصرف ما ويتهمه بأنه فلاح، في إشارة إلي تخلفه وجهله، فالبعض يستخدم لفظ الفلاح كإهانه لغيره، وإني لأري ذلك اللفظ مدعاة للفخر لحامله، فالفلاحة من أرقي وأعظم المهن الحرة على وجه الأرض.
حقا "محلاها عيشه الفلاح".. أغنية رائعة كتبها بيرم التونسي ولحنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وغناها بنفسه، ومن بعده غنتها كلا من أسمهان ونجاة الصغيرة، تتفنن الأغنية في وصف حياة الفلاح البسيطة والجميلة، ومدى الشعور بالراحة والطمأنينة في الريف المصري والقرى الدافئة بأهلها، بعيدا عن صراعات المدينة وأجوائها الخانقة.
من منا لا يتمنى أن يعيش في القرية محاط بمساحات واسعة من الخضرة والماء والطبيعة الخلابة، يحصد ما زرعته يداه ويأكل ويشرب نتيجة مجهوده وتعبه من خير الطبيعة المحيطة به، يبذل قصارى جهده في الزراعة والري، ومن ثم جني المحصول، بالإضافة لتربية الحيوانات بشتى أنواعها من طيور وماشية، والاستفادة بما تجود به من بيض وألبان وخلافه.
الحياه في الريف حياة طبيعية، فالنهار للعمل والليل للراحة والنوم، المساواة بين الرجل والمرأة نراها هناك على أرض الواقع بلا شعارات ومزايدات. فدور المرأة الفلاحة التي تساعد زوجها وابنها وأبوها لا يقل عن دور الرجل، بل أحيانا يزيد.
الفلاح إنسان منتج غير عاطل يفيد بلده، ولو بإمكاني أن اتمنى عملا أخر بعيدا عن الفن لتمنيت أن أكون فلاحا، ولكم استمتعت بأداء العبقري محمود المليجي لدور الفلاح محمد أبو سويلم في رائعة عبد الرحمن الشرقاوي ويوسف شاهين "الأرض"، فالفيلم أظهر قيمة الفلاح المصري الأصيل، ومدى اعتزازه بنفسه وتمسكه بأرضه لآخر نفس، ومن المشاهد العظيمة في الفيلم مشهد النهاية، حيث شاهدنا تشبث أيدي محمود المليجي بالأرض بعد ربطه بالحبال وسحبه من قدميه بالحصان.
ورغم أنني لا أنتمي لأصول ريفية -وإن كان يشرفني- ولكني أتمنى أن تعود الزراعة في مصر إلى سابق عهدها ويصبح المحصول المصري واللحوم المصرية والمنتج المصري رقم 1 في العالم، وتزداد صادراتنا إلى الخارج بعد أن تغطي احتياجتنا وتزيد، وأتمني أيضا أن يعود الفلاح إلى جلبابه وفأسه ولا يتأثر بالمتغيرات الاجتماعية والسخرية والنظرة المتعالية، والطبقية لبعض أصحاب النفوس المريضة، فالدول تنهض على أيدي عمالها وفلاحيها وأطبائها ومهندسيها وغيرهم، الكل سواء، لا فرق بين إنسان وآخر سوى بعمله ومدى تأثيره في مجتمعه.