فى اجتماع لـ3 وزراء هم «التنمية المحلية، وقطاع الأعمال، والبيئة»، وأربعة محافظين لمحافظات القاهرة والإسكندرية والجيزة والقليوبية لمناقشة دراسة إنشاء شركة قابضة للنظافة، حملت وسائل الإعلام عدة عناوين متناقضة، أبرزها ما يلى:
1. منظومة جديدة لتدوير القمامة؟!.
2. شركة قابضة للتعامل مع المخلفات؟!.
3. تمهيداً لإنهاء عقود الشركات الأجنبية؟!.
وكان أبرز تصريح لوزير قطاع الأعمال أنها شركة تسعى للربح، وأبرز تصريح لوزير التنمية المحلية «ليس للحكومة أجندة مسبقة»، وأبرز تصريح لوزير البيئة «هناك ثروة (100 مليون طن مخلفات)» طبعاً يقصد شاملة المخلفات الزراعية وهى الأكبر والمخلفات البلدية هى الأقل.
وهكذا أفصحت الحكومة عن رأيها أنها تنشئ شركة تسعى للربح، وأنها تهدف لتدوير المخلفات، وأنها تبحث عن منظومة نظافة جديدة، وهذه الثلاثية (المكسب - النظام الجديد - التدوير أولاً) لا تجعلنا نستبشر خيراً فى بداية تكوين هذه الشركة التى سبق أن أفصحنا على صفحات جريدة «الوطن» أن لها أسساً فنية، ومالية، وإدارية، تتناقض تماماً مع ما أعلن فى هذه الجلسة التى سمتها الحكومة (جلسة تشاور حول دراسة إنشاء شركة نظافة) ونلاحظ أن هناك حملة دعاية لرابع مرة عن دراسة وليست برنامجاً بدأ تنفيذه ولا أعلم ما هذا الضجيج حول الدراسة، أليس من الأولى الانتهاء منها ثم الدعاية للتنفيذ، ولكن هذه طريقة وزير البيئة الذى ينشر يومياً إعلاماً حول دراسات واجتماعات وحتى الكتيبات يعمل لها دعاية، أما التنفيذ فلا تسمع له صوتاً؟!!.
ولقد أحسن رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل أنه لم يتعجل اعتماد الدراسة المقدمة من وزارة البيئة، وإلا وقعنا فى كوارث جديدة كما تعودنا من أفكار عجيبة يتبناها السيد وزير البيئة لا تستند لعلم ولا خبرة فى مجالات تتعلق بحياة المواطن وليس مكسب الحكومة المالى، فلها مصادر أخرى تذهب فيها للمكسب التى تبغاه.
ولأن الرجل مغرم بالاقتصاد وليس مهتماً بالبيئة فقد كانت تصريحاته كلها تدور حول المكسب المالى، ولم نقرأ تصريحاً واحداً فيما تعلنه وسائل الإعلام عن طرق تجنب أضرار تراكم القمامة فى الشارع وحجم الأمراض المنقولة من ملوثات القمامة حرقاً أو كوماً، وهذه هى وظيفته «حماية الصحة والبيئة من أضرار تراكم القمامة» وليس اقتصادياتها، ولعل هذا ما دفعنى لكتابة هذا المقال لتصحيح ما يلى:
أولاً: إن شركة النظافة مهمتها الأولى هى جمع المخلفات من المنزل والشارع وتجمعات القمامة (المفترض أنها محطات وسيطة) ونقلها إلى المقالب العمومية المطورة ثم تبحث الحكومة بعد ذلك عن مستثمرين لإنتاج الطاقة أو السماد أو المنتجات الاستهلاكية من البلاستيك وورق وأخشاب ومعادن وغيرها، وتلك قضية أخرى، وهى شركة مرافق ليس ضرورياً أن تكسب أموالاً وهكذا كانت وما زالت مشكلة مصر فى مرحلة الجمع من نقطة إنتاج القمامة والنقل من الأماكن الوسيطة، أما الاستغلال الاقتصادى للمخلفات فتلك قصة خطا العالم فيها خطوات كبيرة ونرجو ألا تكرر الحكومة الخطأ المتكرر عبر 40 عاماً من استخدام مصانع تدوير القمامة التى تنتجها مصانع حكومية حيث تتحول دائماً نظراً لسرعة تلفها إلى جبال قمامة جديدة.
ثانياً: إن صناعة التدوير وتجارة المنتجات المعاد تدويرها هى نشاط اقتصادى بحت ليس له علاقة بإدارة منظومة النظافة وهما مجالان مختلفان تماماً، فالقمامة فى حالة التدوير مجرد مادة أولية سواء كانت مواد عضوية (سماد - علف) أو مواد غير عضوية من ورق وزجاج ومعادن وبلاستيك وغيرها تذهب كل منها لمصانعها، إذاً هذه عملية صناعية وتجارية تماماً غير عملية الجمع والنقل والتخزين التى تعتمدها شركة النظافة.
ثالثاً: إن شركة إدارة المخلفات تكون لها شركتان نوعيتان رئيسيتان:
أ. شركة جمع ونقل المخلفات وإدارة المقالب والمحطات الوسيطة.
ب. شركة إنتاج وتجارة المواد المعاد تدويرها.
وعليه فإن شركة جمع ونقل المخلفات وإدارة المقالب هى شركة خدمات، وليست شركة صناعة وتجارة تحقق مكسباً، والخدمات فى كل العالم ستظل مدعومة بنسبة ما من موارد حكومية تحمى البيئة وتحافظ على الصحة باعتبارها رأس المال الأول للدولة، وأما المكسب المالى فهو وظيفة شركة الصناعة والتجارة لمخلفات القمامة وهى شركة استثمار لا مجال فيها للدعم الحكومى ولا المنح.
رابعاً: أن الوزارة الوحيدة الناجحة فى إدارة شركات المرافق هى وزارة الإسكان فهى تدير مرافق المياه والصرف الصحى بنجاح منقطع النظير، وتدير منظومة النظافة بالمدن الجديدة بنجاح واضح لم يعترض عليه أحد.
وهنا لا دور لوزارة قطاع الأعمال ولا التنمية المحلية ولا البيئة فى إدارة شركة الجمع والنقل إنما هى شركة مرافق وخدمات ليس فيها مجال للمكسب.
ثم إن وزارة قطاع الأعمال قد نجحت فى وقت قصير فى تحقيق مكسب لشركات خاسرة وهذا طبيعى أن تتبعها شركة صناعة وتجارة موارد التدوير الناجمة عن المخلفات فهى ليست شركة خدمات وإنما شركة تحصل على مواد أولية مجاناً بدلاً من أن تحرق لتنتج وتكسب، وهى شركة اقتصادية بحتة يتنافس فيها القطاع الخاص والعام.
خامساً: إن شركة جمع ونقل المخلفات وإدارة المقالب العمومية دون دخول شركات المعدات الثقيلة الحكومية وشبه الحكومية فى شراكة معها ستتحمل رأسمالاً رهيباً لن تستطيع تحمله، والأولى أن تساهم شركات المعدات الثقيلة من الرى وقناة السويس والنقل والسكك الحديد والنقل النهرى والحاويات والحفر والمقاولات بمعدات تحقق كفاءة الجمع والنقل والدفن ومنها أن تكسب مقابل هذه الشركة مدعومة بقروض ميسرة من البنوك والمنح الدولية.
سادساً: إن المخلفات البلدية مجال مختلف تماماً عن المخلفات الزراعية ولا يجوز الجمع بينهما فى إدارة هذه المنظومة وإلا ستسقط كلتاهما الأخرى، والمخلفات الزراعية ثروتها فى أنها مواد عضوية يجب أن تحول إلى علف وسماد، فإذا استفادت شركتها النوعية الفرعية لإدارة المخلفات الزراعية التابعة للشركة القابضة من المخلفات العضوية التى تجمعها الشركة النوعية للمخلفات البلدية أصبح لدى مصر مخزون يغطى 50% من احتياجات السماد والعلف دون الحاجة للأزمة السنوية المعتادة لارتفاع سعر السماد الكيماوى.
وختاماً
إننى لا أعلم من هم الخبراء الذين حضروا هذا اللقاء الحكومى ولم أسمع عن أحد ممن عملوا فى هذا المجال سنوات عديدة ولماذا لم يعلن أسماء الخبراء كما أعلنوا أسماء الوزراء الثلاثة الجالسين بجوار المحافظين الأربعة مع خالص التقدير والاحترام لهم جميعاً فإنه لم يشرف أحدهم أو يعمل أو يدير أى مشروع تنفيذى ناجح أو فاشل للنظافة فى مصر.. ألم يكن أجدى دعوة محافظين النظافة فى مصر مثل عادل لبيب والمحجوب وعمارة وأحمد زكى عابدين أو رؤساء هيئات النظافة مع عمر عبدالآخر وعبدالرحيم شحاتة والوحيد الذى فى مكانه ممن حضروا أحمد على الخبير المالى فى هذا المجال وسنضطر لإرسال الدراسات التى تحت أيدينا للسيد رئيس الوزراء لعله يستفيد منها أو يوجهها لمن يذكر الله والوطن أو بخشى من الله فى ضميره.