دستور 2014 تم إقراره بأغلبية 98.1% «يناير 2014»، الانتخابات البرلمانية انتهت «ديسمبر 2015»، تشكيل اللجان النوعية «أبريل 2016»، ما يعنى أن عمل البرلمان لم يتجاوز 16 شهراً، لذلك لم ينته حتى الآن من إنجاز قوانين تفعيل الدستور، البعض اجتزأ قول الرئيس قبل الانتخابات البرلمانية «هناك الكثير من مواد الدستور كُتبت بحسن نية، والبلاد لا تُحكم بحسن النوايا»، وتبنى مرشحون مطلب تعديل الدستور خلال حملتهم الانتخابية، أو تحت قبة البرلمان، وعلى المنابر الإعلامية، مغفلين ما أكده الرئيس من احترام للدستور والإرادة الشعبية «لن أبقى يوماً واحداً فى الحكم دون رغبة الشعب».. نظرة بعض النواب للدستور لا تتناسب وما يستحقه كوثيقة مهيبة، قال عنها أرسطو «الدولة الصالحة هى التى يكون فيها الدستور هو السيد الأعلى، ويسير على مبادئه الحكم».
عقب تفجير الكنيسة البطرسية، تزايدت الدعوات لتعديل الدستور، الدكتور على عبدالعال، رئيس البرلمان، أكد «لو تطلب الأمر تعديل الدستور لمواجهة الإرهاب سنقوم بتعديله بما يسمح للقضاء العسكرى بنظر جرائم الإرهاب»، اتفق معه عدد من رؤساء الهيئات البرلمانية لتمكين الدولة من مواجهة الإرهاب.. التفسيرات وسعت مضمون التعديل، ما دفع عبدالعال إلى نفى صحتها، لكنه عاد ليفتح الباب من جديد «الدستور لا يرضى طموح المصريين، لأنه وضع بصياغات رضائية»، وأضاف «أى دستور يتم وضعه فى حالة عدم استقرار يحتاج لإعادة نظر بعد استقرار الدولة».. وهكذا أطلق العنان لمن سارعوا للمطالبة بتعظيم سلطات الرئيس فى مواجهة البرلمان، وتمديد فترة ولايته، حتى يتمكن من تنفيذ قراراته، واستكمال مشروعاته.. علاء عابد رئيس لجنة حقوق الإنسان دعا إلى الإسراع فى تمديد فترة الرئاسة لـ6 سنوات، عشرون نائباً تقدموا للمكتب الفنى بمشروع تعديل المادة «140» لزيادة مدة الرئيس من 4 إلى 6 سنوات؛ لمناقشته داخل المكتب السياسى ومن ثم طرحه على المجلس خلال دور الانعقاد الثالث، وأحمد حلمى الشريف وكيل «تشريعية البرلمان» كشف إعداده لمسودة تتضمن تعديل مدة الولاية الرئاسية لتكون 6 سنوات بدلاً من 4، وسوف يتقدم بها عقب الانتخابات الرئاسية 2018، «تيار الاستقلال» و«تحالف الجبهة المصرية» اللذان يضمان عدة أحزاب سياسية أطلقا حملة «هنغير الدستور»، ومظهر شاهين أسس «الحملة الشعبية لتعديل الدستور».. فى المقابل حاول حمدين صباحى تنشيط «منتدى الحياة الدستورية»، للدعوة إلى الالتزام بالدستور، وعمرو موسى شكل «المؤسسة المصرية لحماية الدستور»، مستنكراً دعوات التعديل، ومؤكداً الحاجة إلى تعميق الاستقرار وليس إشاعة التوتر، احترام الدستور وليس التشكيك فيه، تقديم تفعيل الدستور على تعديله.. تعديل الدستور أصبح قضية خلافية فى دولة مأزومة.
والحقيقة أن شبح تجربتى حسنى مبارك ومحمد مرسى سيطر على خيال المشرع الدستورى، ما دفعه لتقليص صلاحيات الرئيس على نحو لا يتناسب وطبيعة الدولة المركزية فى مصر، وما تتعرض له حالياً من تحديات، أبرزها إرهاب الداخل، ومؤامرات الخارج، مما يفرض وجود سلطة تنفيذية قوية، تمتلك قدراً معقولاً من المرونة، لكن الدستور يمنح البرلمان حق سحب الثقة من رئيس الجمهورية بل ومحاكمته، وسحب الثقة من رئيس الوزراء أو الوزراء ومحاكمتهم، وأضاف إلى حالات المسئولية الجنائية لرئيس الجمهورية حالة انتهاك أحكام الدستور، وأجاز للبرلمان اقتراح سحب الثقة منه بإجراءات وأغلبية خاصة، يقرر بعدها الشعب فى الاستفتاء إما سحب الثقة من الرئيس، فيخلو منصبه، أو تأكيد الثقة فى الرئيس فيحل مجلس النواب «المادة 161»، صياغات فرضها هاجس وجود مرسى فى السلطة، والحاجة لتوفير أدوات لمواجهته!!.. دور البرلمان فى تشكيل الحكومة يعتبر تدخلاً فى اختصاص السلطة التنفيذية، وتبعية الأجهزة الرقابية ومنها الجهاز المركزى للمحاسبات للرئاسة يحد من فاعلية الدور الرقابى للبرلمان ويحرمه من أهم أدواته.. إذن هناك حاجة بالفعل لتعديل الدستور، ولكن هل الظروف ملائمة، وهل يقدّر النواب طبيعة المهمة؟!
المشرع الدستورى فى «المادة 226» فرض حظراً على تعديل النصوص المتعلقة بـ«إعادة انتخاب رئيس الجمهورية»، ما يعنى عدد مرات التجديد، لكنه لم يشر إلى «مدة الفترة الرئاسية»، الحظر فى الدساتير يعكس تزيداً من المشرع، وعدم تقدير لما تفرضه المتغيرات المحيطة بالوطن من ضرورات، ويصادر حق الأجيال المقبلة.. المادة 156 من دستور 1930 حظرت تنقيحه قبل 10 سنوات، تغيرت الأوضاع بعد مرور 5 سنوات فقط «1935»، فأعيد العمل بدستور 1923.. تعديل الدستور اختصاص وحق أصيل للبرلمان، ولكن ينبغى أن يسبقه تعديل القوانين لتتمشى معه، وفترة تطبيق تحدد ملامح التعديل.
النائب إسماعيل نصر الدين تقدم بمذكرة خاصة بالتعديلات الدستورية فبراير 2017، وأكد مؤخراً أنه سيعيد تقديمها مع بداية دور الانعقاد الثالث، تضمنت تعديل ثلاث مواد؛ المادة «103» بما يسمح باستثناء أصحاب الكفاءات والخبرات المميزة من النواب من التفرغ، بحيث يتسنى لهم الجمع بين عضوية المجلس ووظائفهم الرسمية، مع إضافة مكافأة خاصة للمتفرغين!!.. المادة «140» لزيادة مدة الرئاسة إلى ست سنوات.. المادة «147» لتسمح للرئيس بتعديل التشكيل الوزارى دون التقيد بالبرلمان.. المادة «190» لتعزيز دور البرلمان الرقابى فى المسائل القانونية، ومراجعة، وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية على النحو الذى يصبح فيه البرلمان شريكاً لمجلس الدولة.. للأسف هى محاولة صريحة لاستغلال التعديل فى تحقيق المصلحة الخاصة للنواب فى الجمع بين عضوية البرلمان ووظائفهم، والجمع بين مكافآت الأول ومرتبات الثانى، وزيادة مكافآت المتفرغين!!
المدة الأولى للرئيس تنتهى «يونيو 2018»، الدستور يفرض البدء فى إجراءات الانتخاب قبل انتهائها بمائة وعشرين يوماً على الأقل، أى بعد ستة شهور فقط من الآن.. المستشار بهاء الدين أبوشقة رغم تسليمه بأن «الدستور ملىء بالمطبات»، إلا أنه لا يحبذ الدخول فى مغامرة تعديله؛ لأن الظروف الراهنة غير مناسبة، وهى رؤية حكيمة.. الالتزام بالحظر الموضوع بالدستور على عدد فترات الرئاسة يقصر فائدة أى تعديل على زيادة عامين فقط من حكم رئيس زاهد فى السلطة، والإطاحة بالحظر تماماً تقدم مبررات على طبق من فضة لمن يريد الإساءة للرئيس، واجترار ذكرى تعديل دستور 1971، الذى مدد حكم مبارك لخمس فترات انتهت بخلعه «فبراير 2011».. الرئيس يواجه لأول مرة المشاكل المزمنة للاقتصاد المصرى، بحلول جذرية، بوقعها المرير على المجتمع، رغم أنه عام الانتخابات، وأظن أن هذا يكفيه.. نضج ثمار عملية الإصلاح، وتدفق عائدات الغاز خلال ولايته الثانية، كفيل بتحريك الرأى العام لفرض صيغة بديلة للتمسك به، لو توافقت الإرادات، دون حاجة لمجاملات المجاملين، أو نفاق المنافقين.