"وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"
عزيزي القارئ، أكتب إليك الآن من قاعة رقم 33 في مبني R من جامعة فيشتا، القاعة صغيرة نسبيا، مجهزة بكافة الإمكانيات التعليمية الحديثة، من شاشة عرض كبيرة، لشاشة تليفزيون متوسطة، لكمبيوتر، لمقعاعد سهلة النقل، لمناضد سهلة التشكيل، إضافة إلى إضاءة يمكن تشكيلها على حسب الغرض.
أكتب إليك الآن وأنا أستمع لشاب ثلاثيني اسمه"كينو مولر"، يحدثنا عن تداخل الثقافات، ما معنى تداخل الثقافات؟ تساءلت.
ستعرف عما قليل، أجاب "كينو"، ثم توجه إلى الجميع مرحبا بقوله:
"أهلا بكم في جامعة فيشتا، أرى أمامي جنسيات مختلفة، بثقافات متعددة، قد لا يعرف بعضكم بعضا، لذا عليكم أن تشكلوا أنفسكم أربع مجموعات، على أن تكون المجموعة مكونة من أربعة أشخاص لا يعرف بعضهم بعضا"، ثم أعطى كل مجموعة ورقة كبيرة كي تكتب فيها أسماءها والأشياء المتشابهة في ثقافتها.
مجموعتي بها فتاتين، الأولى من كوسوفو واسمها سارندا، والثانية من كوريا الجنوبية واسمها هانل، رأينا تشابها كبيرا بيننا وبين بعضنا، فنحن جميعنا بشر، نأكل ونشرب؛ نأكل الخضروات والفواكه، ونشرب العصائر والشاي، ونحن جميعا نعتقد في أن هناك إلاه، وإن كانت دياناتنا مختلفة فلن يؤثر هذا في الأمر شيء، ولدينا ثقافات وعادات وتقاليد قد تكون متشابهة، نحب الخير للجميع، ونؤمن بالمساواة بين البشر، وأن الجميع حر في اختياراته وفي نمط حياته.
والآن وقد انتهت المجموعات الأربعة من إيجاد المشترك بينهم راحت كل مجموعة تتحدث عن نفسها. ومن هنا تداخلت ثقافاتنا وعرف بعضنا بعضا. وتذكرت قول الله تعالى:"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". ما أجمل التعارف، وما أروع الاختلاف!
بعد ذلك أعطى"كينو مولر" كل واحد منا ورقة وقلما، ثم طلب من الجميع أن يرسموا خريطة للعالم، ليس شرطا أن تكون الخريطة كاملة التفاصيل، يكفي أن تكون الحدود العامة واضحة.
جاءت رسوماتنا متباينة أشد التباين، فالأفارقة رسموا إفريقيا واضحة المعالم، ظاهرة التفاصيل، بينما قلّت المعالم وضوحا فيما بقي من أرجاء المعمورة، والأوروبيون ركزوا على أوروبيتهم ورسموا حدود بلادهم واضحة، وكانت المفاجأة مع الكورية فقد رسمت خريطتها بطريقة مختلفة، جعلت كوريا الجنوبية في منتصف الكرة الأرضية ومن فوقها روسيا.
وقد عقب " كينو مولر" على ذلك بقوله: "وهنا يكمن الاختلاف، فلكل نظرته المختلفة على موقعه في العالم".