زميلتى العزيزة.. العديد من وسائل الإعلام فى وطنك تؤكد يومياً أن الشرطة المصرية قد قتلته، لماذا إذاً أنتِ منزعجة مما نبثه عبر تقاريرنا الإعلامية؟.. وليس سراً أننا نعتمد فى جزء من تناولنا للقضية على ما يرد فى الإعلام المصرى.
مارس 2016 كانت تلك الجملة محاولة من أحد الزملاء الأمريكيين لتخفيف حالة الغضب والاستنكار التى وجهتها للإعلام الغربى إزاء المنهج الذى تناول من خلاله حادث مقتل الإيطالى «ريجينى» حين قلت له أرى وبوضوح أن الإعلام الأمريكى والبريطانى تحديداً يسعيان بقوة لإلباس القضية طابعاً سياسياً ما سيؤثر سلباً على علاقة مصر بدولة أخرى، ثم كيف لتقارير صحفية وتليفزيونية وحدها، وإن كان من بينها ما هو مصرى، أن تكون سنداً دامغاً فى توجيه الاتهام للدولة وتستبق نتائج التحقيقات فى كلتا الدولتين وتقر الجريمة؟. رغم عدم اقتناعى بمنطق الزميل إلا أن بعض المنابر التليفزيونية والصحفية ذات التأثير كانت قد نصبت من نفسها «محامياً لريجينى» إلى حد أنها تفوقت فى جعله ضحية للشرطة على الإعلام الغربى مجتمعاً فى مظاهرة إعلامية كانت تبث يومياً داخلياً وخارجياً، متكئة على تقرير صحفى عاجز نشرته وكالة «رويترز» للأنباء، لاذ صاحبه بالهروب خارج مصر عقب نشره مباشرة لأعلم فيما بعد أن مصدره كان صحفياً مصرياً.
ولا عجب، فأثناء مشاركتى فى حوار حول ذات القضية عبر برنامج «العاشرة مساء» أبريل 2016 اتهمتنى إحدى الصحفيات بالسعى نحو الحصول على مكافأة من الدولة لمجرد أنه لا قناعة لدىّ أنه يوجد أدلة تدين الشرطة، وتأكيدى أن مجلس الشيوخ الإيطالى سيوجه بعودة السفير، وهذا ما حدث فعلياً لاحقاً.
وسط هذا المشهد العبثى الذى غاب عنه بإتقان إعلاء المصلحة الوطنية، لم يسترعِ انتباه هؤلاء أن تداعيات إلصاق التهمة زوراً وبهتاناً قد أدى إلى إلحاق أضرار بالغة بقطاع السياحة المأزوم، وقد سبق هذا الحادث سقوط الطائرة الروسية فى سيناء ولم يبالوا بأن منظمات حقوقية دولية كانت تمارس ضغوطاً على إيطاليا لتدويل القضية. بل إنهم تجاهلوا أن شركة «إينى» للنفط والغاز المسيطر عليها من الحكومة الإيطالية والبالغ حجم استثماراتها 3.5 مليار دولار، قد كشفت لدوائر إعلامية عالمية مارس 2016 عن خطتها إزاء بيع حصتها فى أكبر حقول الغاز (صقر). وبالتالى لم يكن بوسعهم الالتفات إلى مساعى هيئة قناة السويس وقتها لإبرام اتفاق مع كبرى الشركات العالمية فى مجال تكنولوجيا الصناعات الثقيلة «دانييلى» الإيطالية بواقع مليار دولار لإنشاء مصنع لإنتاج الحديد والصلب. مقابل هذا العبث بالمصالح الوطنية كانت الدولة وببراعة تدير الأزمة داخلياً وخارجياً لا لكى توقف نزيف خسائر محتمل بل لتعزيز قدراتها الاقتصادية والسياسية، فقد أعلنت «إينى» عن البدء فى تشغيل المرحلة الأولى من حقل «ظهر» أكتوبر المقبل بإنتاجيه تصل لـ350 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز، ستزيد لـ700 مليون قدم مكعب قبل آخر العام لتنهى مصر عصر استيراد الغاز.
كما كشفت هيئة قناة السويس قبل أيام قليلة عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة «دانييلى» للبدء فى إنشاء مصنع الحديد والصلب بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بطاقة إنتاجية 1.2 مليون طن سنوياً كنواة لإنشاء مجمع الصناعات الثقيلة بالمنطقة.
إلى أن كللت جهود الإدارة السياسة بإعلان إيطاليا بالأمس القريب عن عوده السفير الإيطالى للقاهرة ولا عزاء لمن تخلوا عن المصلحة الوطنية مقابل مصالح ضيقة أو لتصفية حسابات مع المؤسسة الأمنية. خلاصة القول إن حرية الرأى والتعبير لا محل لها إن تناقضت مع المصالح الوطنية.