منذ أسبوعين تشهد شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة إضراباً، يشارك فيه 17 عاملاً وموظفاً من العاملين بالشركة. الإضراب بدأ صغيراً، ثم أخذ فى التمدد شيئاً فشيئاً. فى البداية حمل العمال لافتات تعكس مطالبهم، ثم تظاهروا بالجرادل، بعدها نظموا مسيرات بالنعوش. سبب الإضراب معروف، إنه ببساطة «الفلوس». يطالب العمال بصرف العلاوة الاجتماعية بواقع 10%، وصرف علاوة استثنائية، وزيادة بدل الغذاء من 200 إلى 400 جنيه أسوة بالشركات الأخرى. المطالب تبدو عادلة، فالعلاوات أقرها الرئيس، والحديث عن بدل الغذاء منطقى، طالما يصرف لنظراء لهم بنفس القيمة، ناهيك عن الارتفاعات الملحوظة فى أسعار الغذاء، وهو أمر لا يعانى منه عمال المحلة فقط، بل كل من يسعى فوق تراب «المحروسة».
وزارة قطاع الأعمال العام ترفض الاستجابة لحقوق العمال، ومنحهم العلاوة التى أقرتها الحكومة، إلا بعد إنهاء الإضراب والعودة إلى العمل، فى الوقت الذى يصر فيه العمال على عدم العودة إلا بعد الاستجابة لمطالبهم. والنتيجة خسائر مالية تتراكم يوماً بعد يوم، دون التفات من أحد. بلغت الخسائر حتى الآن ما يزيد على 50 مليون جنيه، والوزارة المختصة لم تزل تعاند. هذا المشهد يتشابه مع مشهد آخر تعاصر مع أواخر عصر حسنى مبارك، حين تظاهر موظفو الضرائب العقارية أمام مبنى مجلس الشعب، وتحولت مظاهراتهم إلى اعتصام، سُئل عنه وزير المالية -حينذاك- يوسف بطرس غالى، فأجاب: «لن نستجيب لهم.. محدش يقدر يلوى دراع الحكومة». يظن بعض المسئولين أنهم بهذا النوع من الأداء يحمون هيبة الدولة، حين يتركون المواطن يصفع رأسه فى الحيط، ويتهمونه بأنه لا يستحق أى شىء، لأنه يريد أن يأخذ دون أن يعمل، وأنه أكسل خلق الله، وغير ذلك من اتهامات أبدعها «قاموس المسئولية» فى مصر. وواقع الحال أن هذا النمط من الأداء لا يحمى هيبة الدولة بل يهزها هزاً.
مطالب العمال مفهومة فى ظل حالة الغلاء التى دهمت حياة المصريين من جميع الاتجاهات، وأغلبها يقع فى إطار تطبيق قرارات اتخذتها الحكومة. غير المفهوم حقيقة هو ذلك التعنت الذى تبديه وزارة قطاع الأعمال فى الاستجابة لمطالب عمال المحلة. ربما ارتبط الأمر بتلك النظرة التى تختزنها الحكومة للعمال والموظفين فى مصر والتى تتهمهم بالكسل وعدم الرغبة فى العمل، ونهب المرتبات التى يحصلون عليها من دم الموازنة العامة فى مصر. وليس فى مقدور أحد أن يبرئ بعض الموظفين أو العمال من الإهمال، لكن أى مسئول لو استمع إلى تفسير أى موظف أو عامل، فسيشنف آذانه بالتالى: الكبار فى المؤسسة التى نعمل بها كسالى ومهملون مثلنا، ورغم ذلك يقبضون ملايين الجنيهات فى العام، نحن لا نعمل لأن الحكومة لا تعطينا حقنا، إنها تعطى للواصلين فقط. قد يكون فى هذا الكلام مبالغة، لكنه يعكس وجهاً من وجوه الحقيقة. منظومة التوظيف فى مصر تفتقر إلى العدالة وتآكل مبدأ الثواب والعقاب، وعدم الصرامة فى تطبيق اللوائح والقوانين. والنتيجة تراجع مستوى الأداء داخل كل المؤسسات. الموظف أو العامل الصغير المهمل يرقص مثلما يرقص بعض الكبار، الفارق بينه وبينهم أنه لا يفوز بـ«نقطة مالية»، بل بنوع آخر من «النقطة»!.