الحديث عن أن إضراب «عمال المحلة» يقف وراءه محرضون من «الإخوان» و«6 أبريل» يبدو غير موضوعى شكلاً ومضموناً. ثمة سببان أساسيان وراء ما يحدث فى مصانع الغزل، أولهما: «الغلاء» الذى يطحن الجميع، جراء ارتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة، نتيجة الإجراءات التى اتخذتها الحكومة، وثانيهما: عناد الحكومة نفسها فى تطبيق قرارات العلاوة الخاصة بالغلاء. هذان هما السببان الجوهريان وراء الإضراب. التمحك بالإخوان وبحركة 6 أبريل وإلصاق تهمة التحريض لا يزيد على محاولة للإفلات من التفاهم مع العمال حول مطالبهم من جانب مسئولى الشركة القابضة للغزل والنسيج الذين صرحوا بهذا الكلام، أما إصرار الحكومة على عدم التفاوض إلا بعد إنهاء الإضراب فقرار يفتقر -فى تقديرى- إلى الحسابات السياسية السليمة.
قبل عدة ساعات تحركت قوات أمنية لمحاصرة مظاهرات وإضراب عمال المحلة، وتحدث مسئولون أمنيون عن أنهم يريدون حماية العمال من اندساس أى محرضين فيما بينهم. لماذا تترك الحكومة الفرصة للمحرضين من الأصل، ولماذا تحمل الأمن مسئولية التعامل مع مظاهرات وإضراب يشارك فيه الآلاف، دون حساب للنتائج؟
أوْلى بها أن تتفاهم مع العمال. الهيبة ليست كلها «أمن». تلك حقيقة يصح أن تستوعبها الحكومة. هيبة الحكومة مصدرها احترام حقوق المواطنين والاستماع إلى شكاواهم وأوجاعهم، وعرض وجهة نظرها إزاء المطالب التى يرفعها الشاكون. تحريك قوات الأمن يعنى أن الحكومة مصرة على العناد، وهو توجه غير مبشر، ولا بد من مراجعته بسرعة، ومحاولة التفاهم مع العمال والموظفين وبحث سبل الاستجابة لمطالبهم الموضوعية.
على الحكومة أن تنتبه إلى أن المواطن العادى يتفهم ما يحدث فى المحلة، لأنه ببساطة يعانى مما يعانى منه عمال وموظفو شركة الغزل، يكفى حالة الصعود غير المسبوق التى أصابت فواتير الكهرباء خلال الشهر الأخير دليلاً على حالة الغلاء التى أصبحت تكوى المواطن. الغلاء هنا ليس مصدره جشع التجار، بل مصدره الحكومة ذاتها. المسئولون يبررون لأنفسهم قرارات رفع أسعار الخدمات بالاستناد إلى تكلفتها، ومؤكد أن المواطن يعذرهم فى ذلك، وإلا لماذا يتحمل؟
على الحكومة هى الأخرى أن تستوعب الحال التى وصل إليها المواطن وتتفهم حاجته إلى أى نوع من التحريك فى المرتبات، خصوصاً إذا ارتبط التحريك بقرارات سبق أن اتخذتها الحكومة بتقرير علاوة للغلاء تساعد المواطن ولو بصورة جزئية على النهوض بالأعباء التى فرضتها عليه، بسبب «إجراءات الإصلاح الاقتصادى».
الهتافات والنداءات والرسائل التى يبعث بها عمال المحلة هى ببساطة الهتافات والنداءات والرسائل التى يريد كل المصريين أن يصلوا بها إلى من يهمه الأمر. دائماً يكون عمال المحلة أسبق من غيرهم فى التعبير عن الأوجاع والهموم، ويبدو أن هذا الأمر قدر تاريخى تمتاز به هذه المدينة منذ السبعينات وحتى الآن. على الحكومة أن تتعامل مع عمال المحلة كـ«بوصلة» بإمكانهم الاعتماد عليها فى تحديد الاتجاه العام. وللأسف الشديد رد الحكومة وأسلوب تعاملها مع هذا الإضراب لا يؤشران إلى أنها قد استوعبت «رسالة المحلة» وأنها لم تزل تتعامل بنفس الأساليب القديمة!