إلى صديقي الذي لا أعرفه.. تحية وسلاماً عليك ولقلبك.. أما بعد/
لقد اتخذت على نفسي وعداً بالكتابة إليك وأن تصلك رسائلي من هنا.. حتى وإن كنت لا تقرأ ولن تعرف عن ذلك شئ؛ فها أنا ذا أفي بوعدي.. فالوفاء بالوعد يا صديقي أول درجات الصدق.. الصدق مع نفسك أولاً وصدقك مع من حولك.. فلن تَخُن ولن تَخذل ولن تتملص مما عليك..تلك هي ثاني رسائلي.. فدعني أخبرك بما يدور في عقلي لعلي أجد من هنا مخرجاً وحلاً للمعادلة.. فلو أنك هنا لعلمت بأن في عقلي الكثير والكثير من الأسئلة، والإجابات أحياناً، والكثير والكثير من الأفكار والأحلام والخيالات التي لا وجود لها سوى بداخلي فقط.. ربما النصيحة دائمة المدى ممن حولي أن أقلل من حدة التفكير بداخلي، وأن أجعل لها صندوقاً يُغلَق بعض الوقت.
فلأعترف بأني حاولت كثيراً وفكرت كثيراً في كيفية تنفيذ ذلك.. لأجد نفسي أفكر ثانية.. فلا مفر.. ربما هو قدر، أو ربما لأني اهتم بالتفاصيل بشكل مبالغ فيه، فأفكر طيلة الوقت، فحقيبتي لن تخلو من مفكرة أدوِّن بها كل ما بعقلي؛ كي أفرغ منه جزءً مما يحويه، لتجد بها أشياء ليس لها علاقة بالأخرى، أحلام، عمل، أفكار، قرارت، جمل، أرقام هواتف، كلمة تعبر عن حالتي اليوم، تفاصيل غير مرتبة.
زادت المفكرات بحقيبتي، فلن أكتفي بواحدة، وهذا ما جعلني أمام تساؤل واضح، لما تشغلني فكرة التفاصيل بشكل مرهق منذ عدة أيام؟.. فيقولون "الشيطان يكمن في التفاصيل"، وسمعت مرة عندما حكى أحدهم فهمه لقصة سيدنا موسى والخضر، بأنه ما إن بدأ موسى في محاولة معرفة تفاصيل ما فعله الخضر، كان ذلك سبباً قاطعا لـ "هذا فراق بيني وبينك"، وغيرهم يقول " الاهتمام يكمن في التفاصيل"، فاهتمامك بتفاصيل من حولك هو دليل وإثبات لمحبتك الدائمة، فما الفرق بين تلك التفاصيل والأخرى؟
التفاصيل يا عزيزي مرهقة في كلتا الحالتين، أن تهتم فهذا يعني أن تأخذ حذرك دائماً مما تقول، ومما تفعل، حتى لا تكون سبباً في وجع أحدهم دون قصد، وتضع أحيانا الكثير من الافتراضات والنتائج لتتحول إلى باحث يحاول إثبات نتائج بحثه، فيطبقها على نفسه أولاً لإثبات مزيد من المصداقية. ولكني توصلت لإجابة "الشيطان يكمن في التفاصيل"، فوجدت أنها حقيقة، فهناك عدة مواقف كان أولى بنا وأفضل ألا نعرف عن تفاصيلها شيئاً، ولكانت أخف وأهون، ولكن تشبثنا بها حتى المحاولة الأخيرة كان سبباً في ذلك، في كل هذا الفراق وأكثر.
اهتمامي بالتفاصيل كان سبباً في غيابي معظم الأوقات عن الصورة، فمن يلتقط الصورة لم يكن أبداً جزء منها سوى بحضوره خلف الكاميرا، فغبت عن الظهور في العديد من الصور في أهم وأجمل الأوقات، ولكن كان ذلك مُرضياً بالنسبة لي، فأحببت ذلك جداً وامتلأت حقائبي وخزائني بالكثير من الصور المطبوعة، والالكترونية، والفيديوهات، والأوراق المسجل عليها أهم وأجمل الذكريات، لأجد نفسي أمام تواريخ مهمة طيلة الوقت، تستعيد معها تفاصيل حدوثها.
الوقت لا يُنسِي يا عزيزي، الوقت يُثبِت ويُقِر بالحقائق، التفاصيل دليلاً مرهقاً على حدوث الأشياء التي لطالما أردنا أن ننساها ولم يساعدنا الوقت ولم يأخذ بأيدينا، فمن هنا يكمن الشيطان في التفاصيل.
ولكي أكون منصفة، فالتفاصيل دليلٌ آخر للحياة، وبكونك كنت جزءً منها، وبأنك كنت هنا بأثر ووجود حقيقي، فلتهتم بقدر محبتك، فلتهتم بمن يستحق منك الاهتمام، بمن تؤمن بأنه لن يتخلى ولن تنفك عقدة الوصال بينكما مهما تقلبت القلوب، فلتهتم بقدر طاقتك بشكل غير مرهق، بشكل محبب إليك أولاً لا تشعر فيه بشئ من الإضطرار، ولكن بمزيد من المحبة.. محبة تعطي للتفاصيل حق البقاء مدى المدى وتجعلها أبدية.