لا بأس أن يناقش النظام التونسى بقيادة «السبسى» نظام المواريث فى الإسلام ويقدم فهماً مختلفاً لما هو شائع وموروث بين المسلمين فى هذا السياق، ولا بأس أيضاً من مناقشة زواج المسلمة من كتابى. من حق أى مجتمع أن يناقش التأويلات المتداولة للنصوص الدينية، ويقدم اجتهاداً جديداً فيها، يتناغم مع روح العصر، وفى الوقت نفسه يحترم النص. وقد أحسن الأزهر صنعاً حين عرض وجهة نظره فى المسألتين اللتين أثارهما النظام التونسى، قناعة من شيخه «الطيب» بأنه لا جرم فى مناقشة الرأى بالرأى ودحض الحجة بالحجة. إقدام أى مجتمع على مراجعة بعض المفاهيم السائدة لديه أمر صحى، لكن المسألة تختلف حين تمنح المؤسسة السياسية جل اهتمامها للتجديد الفكرى، فى الوقت الذى تهمل فيه استحقاقاتها الأساسية المرتبطة بتطوير وتنمية المجتمع. الارتقاء بمستوى معيشة الشعوب فرض عين على الأنظمة السياسية، فى حين تظل مسألة التجديد الفكرى فرض كفاية، إذا نهضت به المؤسسات المسئولة بصورة مباشرة عنه، فعلى المؤسسة السياسية ألا تقترب منه، لأن ذلك يعنى أنها تجتهد فى «الغطرشة» على إهمالها فى القيام بواجباتها الأساسية.
أقول ذلك بمناسبة ما أكده المعهد التونسى الوطنى للإحصاء، من تراجع مؤشر الإنتاج الصناعى فى الجمهورية التونسية، خلال الثلاثة أشهر الثانية من النصف الأول من سنة 2017، «أبريل، مايو، يونيو» بنسبة 2.3% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2016، حيث شهد المؤشر ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.2%. يعنى ذلك أن «السبسى» لا يركز فى القيام بمهامه الرئيسية ويصرف اهتمامه إلى أمور يمكن أن تقوم بها مؤسسات أخرى.
على مدار الأشهر القليلة الماضية شهدت تونس العديد من المظاهرات التى تحولت إلى مواجهات بين المتظاهرين والأمن للمطالبة بحل مشكلات البطالة وتوفير فرص العمل، وعندما يتراجع أداء القطاع الصناعى فى الدولة التونسية بالصورة التى يصفها «المعهد التونسى الوطنى»، فمعنى ذلك أن «السبسى» لا يلتفت إلى المشكلة الأهم التى تواجه شباب بلاده، وهى مشكلة البطالة، ويلتفت إلى أمور يصح أن تنهض بعبئها مؤسسات أخرى من مؤسسات الدولة التونسية.
أخشى أن يفهم من هذا النوع من الأداء أن كل ما يهم الرئيس التونسى هو تسييل وتصفية أفكار المنافس السياسى الأول له، المتمثل فى حزب النهضة، ودعم التيار العلمانى الذى يميل إلى مساندته، من منطلق رفض الإسلاميين، وليس «القناعة بالأداء». المشكلة أن بعض الحكام لا يستوعبون أن شعوبهم لفظت الإسلاميين عقب ثورات الربيع العربى، بعد أن ابتلتهم على مستوى الأداء، وأثبتت التجربة عدم قدرتهم على النهوض بأعباء الحكم وحل مشكلاتهم المزمنة، وأنهم لا يزيدون عن الحكام الذين ثاروا عليهم إلا فى «الدقن»، وبالتالى فلا حاجة لدى أى حاكم لأن يبذل جهداً فى أمور محسومة، الأجدر به أن يلتفت إلى مهامه الحقيقية ويقوم بها، لأن ذلك هو الكفيل بتثبيت دعائم حكمه، أما وضع الخصم الساقط شعبياً فى بؤرة التفكير فلن يغنى عن صاحبه شيئاً وقت الحساب. لو كل واحد شاف شغله.. الدنيا هتبقى على غير شكل!.