تواجه النخب المصرية الآن حالة من الفرز الحاد ما بين الصالح والطالح والمفيد والفاسد عند الجمهور الذى لا يرحم ولا يصبر وأصبح يمتلك قدرات واسعة من الوعى والتذكر والقدرة على الفرز والحكم السريع على أفراد النخبة.. ويحول جمهور اليوم أحكامه إلى آراء وأخبار ومعلومات سريعاً ما تنتشر عبر وسائل الإعلام الجديد والتقليدى وتنسف أو تدعم الصروح العالية التى عاش فوقها أفراد من النخب المصرية القدامى لسنوات طويلة محتفظين بمكانتهم فى كل العهود.
لقد كانت صناعة النجومية لفرد النخبة قديماً تتطلب جهداً لنشر اسمه وصورته وتركيزاً عليه حتى يعرفه الناس ويحبوه ثم تثبيتاً للتميز والنجومية لديه فى شكل متابعة صحفية وإعلامية عنه لا تتوقف لشهور حتى يصبح فرد النخبة فى أى مجال من المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الفنية متربعاً على صرح حب الناس والشهرة والمتابعة والمصداقية فيتبعه الناس قولاً وسلوكاً وتستخدمه السلطة أو الشركة أو الجهة التى صنعت نجوميته فى التأثير على الجمهور بما يحقق مصالحها وتبقى نجوميته لسنوات وعقود طويلة.
وعلى العكس نجد اليوم النجومية تصنع فى أيام قليلة وتختفى أيضاً فى ساعات قليلة، وذلك نتيجة العشوائية فى النشر التى تستخدم الوسائل الإعلامية بلا رؤية أو تخطيط يقوم على أهداف ومراحل مدروسة لصناعة الصورة الإعلامية لفرد النخبة.. فتجد مثلاً صور فنان أو إعلامى أو سياسى وقد ملأت الشوارع والتليفزيونات وأصبح الفرد خلال أيام قليلة مثالاً يقلده الشباب فى الشكل والفعل والقول وتطارده البرامج التليفزيونية والإذاعية وتفرد له الصفحات فى الصحف ثم فجأة يختفى كل شىء وينسى الناس حتى اسمه!!
وهذه الحالة الغريبة فى صناعة النخب «تك أواى» قد خلقت مزاجاً جديداً لدى الجمهور الذى أصبح يرى الصعود والهبوط السريع لفرد النخبة حيث أصبح الجمهور راغباً فى اختيار النخب بطريقته بعيداً عن الاختيارات التى فرضت عليه سابقاً عندما وجد أمامه أسماء بعينها (نحو 150 اسماً) تقدمها الصحافة والإعلام كمصادر تتصدر المشهد الصحفى والإعلامى فى كل المجالات طوال الأربعين عاما الماضية.. وهو ما دفع قطاعات واسعة من الجمهور للتساؤل عن مميزات تلك النخب المصنوعة قبل سنوات طويلة ومدى ملاءمة استمرارها رغم تغير الأنظمة السياسية والاقتصادية أكثر من مرة وقيام ثورتين وتغير تكنولوجى أطاح بكل الثوابت
وأصبحنا نرى اليوم حالة استنفار لدى الجمهور تجاه كل اسم من النخبة القديمة يتولى منصباً أو يقدم رأياً أو يتخذ موقفاً، وتشتعل مواقع التواصل الاجتماعى وتقود خلفها الصحف والتليفزيونات بسيل من الأخبار والآراء والصور والفيديوهات حول واقع وتاريخ هذا الفرد فيصبح عارياً بلا رتوش أمام الرأى العام.
وتزداد الحالة تأزماً إذا ما ظهر فى تاريخه المتداول تناقضاً فى المواقف أو تلوناً فى الآراء وكذباً فى التصريحات.. وتصبح الجهة التى عينته فى موقع قيادى فى موقف حرج وتعاند ليستمر، ويصبح هو ضعيفاً عاجزاً أمام الرأى العام الذى لن يتوقف عن انتقاده ولأن اختياره لا يكون لكفاءة وإنما نتيجة للمصالح والمحسوبية والشللية والعائلية والدفعة والثروة والرضا من الأجهزة المعنية.. وبدلاً من أن يكون فرد النخبة القديم دعماً للدولة والمجتمع يصبح سبباً فى تخريب دور ومكانة النخبة وما يتبعه من مصائب بالجملة.
إن النخبة الحقيقية فى المجتمع المصرى تحوز احترام المجتمع عبر تراث ممتد من العطاء بلا حدود والثبات فى المواقف الوطنية والأهلية والكفاءة والقدوة للمجتمع.. ويكتسب أفراد هذه النوعية من النخبة مكانتهم بالطرق الصحيحة التى تحترم عقول ومشاعر وقدرات الناس، وهؤلاء عادة لا يصل إليهم الإعلام ولا يختارهم أحد فى المواقع القيادية.. ولو اختاروا منهم للمواقع القيادية لكانت الحالة أفضل.
إن تركيب أحدهم على النخب بشهرة وقتية مزيفة تعلو وتتبدد فى أيام قليلة لا يفيد.. كما أن إعادة تدوير النخب المستعملة سابقاً لا يصنع قدوة محترمة للناس، خاصة الشباب.. فاتقوا الله فى النخب الحقيقية يا صناع الفقاعات الفاشلة.. والله غالب.