للأرقام دلالاتها وهى لا تكذب ولا تتجمل، وإنما تقرر معانى محددة، وترسم مسارات ونتائج، وتكشف عن تفاصيل وثنايا عديدة لا تستطيع رصدها أو بلوغها من دون الرقم، ودونها يصبح الكلام مجرد أحاديث دون أدلة مقنعة، ووسط الأزمات الاقتصادية التى نعيشها وتحمل الناس أعباء فاتورة الإصلاح الاقتصادى، والانتقادات المستمرة لسياسات الحكومة وأدائها ومواقفها الضعيفة فى مواجهة ضغوط القادرين والمستوردين والتجار، يبدو الأداء الرئاسى «رمانة ميزان» لتصحيح المسارات، ويكشف عن ذلك أرقام مهمة فى أجندة لقاءات الرئيس واجتماعاته مع المسئولين.
من 13 أغسطس إلى 23 أغسطس عشرة أيام غاب فيها الرئيس خمسة أيام عن القصر الرئاسى فى جولة أفريقية كانت الهموم الداخلية الاقتصادية جزءاً أساسياً منها، وفى الأيام الخمسة الأخرى عقد الرئيس ستة اجتماعات تركزت كلها على الهم الاقتصادى والأوضاع المالية، وشارك فيها رئيس الوزراء و14 وزيراً و6 مسئولين مركزيين لمشروعات قومية كبرى وخدمية.
ما يمكن أن نطلق عليه مجلس وزراء مصغر، خصوصاً للمجموعتين الاقتصادية والمالية والخدمية هو التوصيف الأصح لاهتمامات الاجتماعات الرئاسية، والحوارات الدائرة والمتابعات تتركز على الأسعار وتوافر السلع الأساسية البديلة والتوسع فى مراكز التوزيع لمحاصرة جشع التجار والتنسيق بين المؤسسات المدنية والعسكرية لتحقيق هذه الأغراض ومستوى أداء برامج الضمان الاجتماعى والتوسعات فى الفئات المستحقة للرعاية وتوفير وتلبية طلبات تطوير خطط وخدمات الإسكان الاجتماعى والعشوائيات والصرف الصحى ومياه الشرب ومشروعات الطرق العامة والعاصمة الإدارية الجديدة وتحويل مصر إلى مركز إقليمى للطاقة وتطوير وتحديث مصادر الكهرباء، ومتابعة ما تم فى مشروع أول محطة نووية فى مصر لتوليد الطاقة وتطوير منظومة الرعاية الصحية والخدمات الطبية، ونتائج خطط تطوير شركات قطاع الأعمال العام وتحولها من خاسرة إلى رابحة.
أنت تتحدث عن أجندة رئيس تحمل الهموم المحلية ولا تتأخر فى متابعة الأحوال وتقييم لحظى للأداء للاطمئنان على سد أى ثغرة يمكن أن تنشأ من البيروقراطية الحكومية العميقة، وهى ليست كل الهموم إنما هى أجندة خمسة أيام فقط، دون الحديث عن الأوضاع الدولية والإقليمية وقضايا الأمن القومى ومكافحة الإرهاب وحماية الحقوق الوطنية الإقليمية.
ربما يتساءل البعض، وهذا حق، لماذا هذا السرد؟ وهل هو تهليل للرئيس؟ الحقيقة أنه ليس كذلك لأن وجود ملاحظات ورؤى نقدية على برنامج الإصلاح الاقتصادى والمالى لا يعنى تجاهل رصد ما يتحقق فعلياً على الأرض، خصوصاً لو كان ذا دلالة على رغبة فى تحقيق الدولة لأكبر قدر ممكن من التوازن الاجتماعى وتوفير مساحة ملائمة من الأمان للفئات المهمشة والأقل قدرة على تلبية احتياجاتها فى ضوء هذا الصراع الضارى وتوحش تجار ورجال أعمال فى التعامل مع المصريين، المهم ألا تتحول هذه السياسات إلى مجرد برامج للبر والإحسان، إنما أن تصبح جسراً لتجاوز مرحلة شاقة بآلامها وآمالها إلى مجتمع ينعم غالبية أهله وليس الأقلية بخيراته وعوائد تنميته.