«أبوقير العام»: المرضى يصطفون فى طوابير الكشف بالساعات
مرضى يعانون يومياً أمام مستشفى أبوقير العام
خرج من بوابة قسم الاستقبال بخطى سريعة ممسكاً بطفلته الصغيرة، ومن خلفه مجموعة من عاملى وأفراد الأمن بالمستشفى يريدون أخذ هاتفه المحمول من يديه، بحجة أنه قام بتصوير إحدى الممرضات دون مبرر، إلا أن إصراره على عدم الانصياع لما يريدون جعله يخرج عن شعوره فى صورة غاضبة ليصرخ فيهم بصوته العالى قائلاً: «أنا عايز أروح القسم دلوقتى»، هكذا استمر المشهد لدقائق، شد وجذب من هذا وذاك، حتى انتهوا جميعاً، بعد أن تدخل عدد كبير من المرضى، إلى أن يأخذ الرجل طفلته ويذهب بها بعيداً فضاً للنزاع.
موقف عايشه الأربعينى «إيهاب داوود»، بطل المشهد السابق، داخل قسم الاستقبال بمستشفى أبوقير العام، جعله يعزم النية على تصويره، حتى يتمكن من «فضح» هؤلاء الممرضات اللاتى تخاذلن عن أداء عملهن، حسب ما قال: «الممرضات قاعدين محدش فيهم معبر الناس، واحدة بتقلب فى هدوم، والتانية بتلعب على الموبايل»، سيدة مسنة رآها «إيهاب» مقبلة من بعيد، ليحمل طفلته من على سريرها حتى تتمكن السيدة من الجلوس عليه، إلا أن رد فعل الممرضات تجاه الموقف أثار غضبه أكثر: «بتنادى على الممرضة عشان تعدل لها السرير مش عايزة تقوم من مكانها وبتشاور لها على المكان اللى هتعلى منه السرير من بعيد»، أراد إيهاب أن يصور الموقف، إلا أن أحدهم رأى ما كان يريد أن يفعله فحدث ما حدث، ليختم الرجل حديثه قائلاً: «هنا بيخدموا الناس بالإشارة، ده غير إن نص أجهزة الأكسجين بايظة وفضلت قاعد أكتر من ساعتين عقبال ما جهاز فضى لبنتى عشان تاخد جلستها».
«إيهاب»: «الممرضات قاعدين محدش فيهم معبر الناس واحدة بتقلب فى هدوم والتانية بتلعب على الموبايل»
دقائق قليلة مرت على مشهد «الخناقة الأولى»، ليعلو بعدها صوت امرأة فى إشارة إلى بدء «خناقة» أخرى اختلفت أسبابها: «اللى بيحصل ده مهزلة، جاية بابنى إيده متعورة من الساعة 7 الصبح لحد دلوقتى متخيطتش».. كانت تلك كلمات خرجت بنبرة شبيهة بالصراخ، لسيدة مسنة وقف بجوارها شاب فى عقده الثالث، واضعاً حول أصابع إحدى يديه قطناً لم يمنع الدم من التدفق، لتكمل السيدة حديثها بنفس نبرة الصوت قائلة: «بص إيديه مجروحة إزاى، ولما دخلت للمدير قالى هو شغلنا كده وإحنا عندنا تعقيم»، ليذهب بعدها الشاب إلى والدته طالباً منها أن تكف عن الصراخ، وينهى الحديث قائلاً: «أنا بقالى 4 ساعات مش عارف مستنى إيه، وكل ما نكلم حد يقول لنا سيبونا نشوف شغلنا».
وفى جانب آخر من جوانب المستشفى وقف العشرينى «إسلام موسى»، بقدم متورمة، يحكى معاناته منذ أن دخل المستشفى فى الساعات الأولى من صباح اليوم، يريد الكشف على قدمه، بعد أن جاءه مضطراً: «للأسف الشغل عندى مابيعتمدش الإجازة المرضية غير من مستشفى عام»، ساعة كاملة قضاها «إسلام» فى طابور تذاكر الكشف، أعقبتها نصف ساعة أخرى أمام عيادة الطبيب، ومن ثم ساعة أخرى لعمل الأشعة، وفى النهاية طابور آخر لدفع ثمن الأشعة، فيقول «مفيش هنا أى اهتمام، والفوضى موجودة فى كل حاجة، وبعد اللى شوفته النهارده مظنش إنى هاجى أكشف فيها على حاجة تانى، ده غير إن الأولوية هنا للى بيدفع، وحتى الأدوية مش موجودة، والأربع أصناف اللى الدكتور كتبهم لى ملقتش منهم غير صنف واحد».
محمد أحمد، شاب فى منصف عقده الثالث، وقف أسفل سقف واحدة من الاستراحات هرباً من أشعة الشمس، وقد بدت على وجهه آيات الغضب، حيث كانت تلك هى المرة الأولى التى يأتى فيها إلى مستشفى أبوقير العام: «إن شاء الله هتكون آخر مرة، ولولا إن الواحد مضطر ماكانش جه هنا أصلاً»، كل ما يريده «محمد» هو شهادة صحية «باطنى ونظر»، إلا أن الأمر لم يكن سهلاً كما توقع، فلم تكن 3 ساعات كافية لاستخراجها: «الموظفة مش فاضيالى وفى الآخر بتقولى تعالى استلمها بكرة، مع إنها حاجة سهلة وبتتعمل وانت واقف، والمشكلة الأكبر إنى عندى سفر بكرة»، طريق آخر دله عليه أحدهم كان هو وسيلته الوحيدة لقضاء ما جاء من أجله: «بعت واحد يخلصهالى بالفلوس لأنى عرفت إنها مابتمشيش هنا غير بكده».