بعد ذلك أعطى"كينو مولر" كل واحد منا ورقة وقلما، ثم طلب من الجميع أن يرسموا خريطة للعالم، ليس شرطا أن تكون الخريطة كاملة التفاصيل، يكفي أن تكون الحدود العامة واضحة.
جاءت رسوماتنا متباينة أشد التباين، فالأفارقة رسموا إفريقيا واضحة المعالم، ظاهرة التفاصيل، بينما قلّت المعالم وضوحا فيما بقي من أرجاء المعمورة، والأوروبيون ركزوا على أوروبيتهم ورسموا حدود بلادهم واضحة، وكانت المفاجأة مع الكورية فقد رسمت خريطتها بطريقة مختلفة، جعلت كوريا الجنوبية في منتصف الكرة الأرضية ومن فوقها روسيا. وقد عقب " كينو مولر" على ذلك بقوله: "وهنا يكمن الاختلاف، فلكل نظرته المختلفة على موقعه في العالم"
لقد أضاء "كينو مولر" مصباحا كبيراً كشف لي به عن أشياء كثيرة كانت غامضة، كشف لي عن أننا كبشر متفقون في أشياء لا حصر لها، ومختلفون كذلك في أشياء كثيرة، كشف لي عن أن التعارف بيننا بات حتميا، والتعاون كذلك. أما كيف نتعاون في ظل اختلافات الرؤى وتنوعها فلم يفت ذلك "كينو مولر" وطلب منا أن نشكل أربع مجموعات جديدة، ثم أعطى كل مجموعة مكعبين للنرد من تلك التي يلعب بهما في طاولة الزهر، وأعطى كل واحد منا كذلك عشرة قطع بلاستيكية، ثم أعطانا جميعا ورقة مكتوب عليها طريقة اللعب، وطلب منا أن نتدرب على الطريقة ونحفظ التعليمات لأنه وببساطة سيسحب منا الورقة بعد خمس دقائق من الآن.
لم يكن الأمر بالسهل اليسير، فقد تطلب الأمر منا بعض الوقت حتى استطعنا أن نفهم اللعبة وقواعدها، وقد زاد من صعوبة الأمر أن الكلام بيننا كان ممنوعا.
بالتدريج صرنا نعرف القواعد، فصار الأمر مسليا، وفجأة طلب منا " كينو" أن نتوقف، وأن يحصي كل واحد منا أوراقه، وعلى الأكثر أوراقا أن يتبادل مكانه مع الأكثر أوراقا في مجموعة أخرى، ولنبدأ اللعب من جديد.
كنت الأكثر أوراقا في مجموعتي، فذهبت لألعب مع مجموعة أخرى، ولكني فوجئت أن القواعد مختلفة، ليست هي القواعد التي تعلمتها، ورأى الآخرون في مجموعتي ذلك الاختلاف، فاتفقنا على قواعد جديدة نلعب بها.
نفس المشكلة ظهرت عند باقي المجموعات؛ إذ تبين لنا فيما بعد أن " كينو مولر" قد أعطى لكل مجموعة نفس الزهر ونفس القطع البلاستيكية ونفس ورقة القواعد، إلا إن القواعد كانت مختلفة عند كل مجموعة، الأمر الذي أحدث إرباكا حينما استقبلت المجموعة عضوا جديدا.
من خلال هذه اللعبة الشيقة أراد " كينو مولر" أن يعلمنا جميعا أن التعاون بيينا يحتاج إلى قواعد، هذه القواعد نحن من نبنيها ونحن من يتفق عليها أو يختلف!