كتب كثيرون عن قاسم أمين كمحرر للمرأة، لكنه من فرط الهجوم عليه من جانب القوى الرجعية تبدى كداعية لتحرير حقيقى للمرأة، وإن كنت لا أنكر أنه قفز بفكرة تحرير المرأة قفزة واسعة، لكنها كانت غير كاملة.
وظننت وظن كثيرون معى أن ملف الكتابة عن قاسم أمين قد طُوى بالكتابة ومعاودة الكتابة عنه وعما كتب وعمن هاجموه ومن أيدوه. لكننى اكتشفت أن مصر تمتلك فى طياتها ما لم نعرف، كآثار الفراعنة فى كل يوم نجد منها جديداً. فبعد أن أغلق الباحث المجتهد عبدالمنعم محمد سعيد ملف البحث فى كتب وكتابات قاسم أمين فى كتاب عنوانه «تراث قاسم أمين» (تقديم د.صابر عرب- 2008)، وأعد جرداً تبدى متكاملاً لكل ما كتب قاسم أمين، كان ثمة جديد. وأقر وأعترف أننى حسن الحظ فقد عثرت على نسخة قديمة جداً من كتاب لم يسمع به أحد لقاسم أمين عنوانه «حقوق النساء فى الإسلام»، وعلى الغلاف القديم جداً نقرأ: «تأليف سعادة المرحوم قاسم بك أمين المستشار بمحكمة الاستئناف الأهلية المصرية سابقاً- طبع على نفقة على أفندى الحطاب الكتبى الشهير بالسكة الجديدة- بجوار أجزخانة المعارف بالإسكندرية». والكتاب من 64 صفحة ومكرس بمجمله لمناقشة موضوع الحجاب. ويوحى الكتاب بأن قاسم أمين قد كتبه تحت وطأة الهجوم العاتى واتهامه بتحدى التعاليم الإسلامية والتقاليد المصرية فكان رده متراجعاً إذ أكد: «والذى أراه فى هذا الموضوع هو أن الغربيين تغالوا فى إباحة التكشف، وأننا تغالينا فى طلب التحجب، والتحرج من ظهور النساء لأعين الرجال، حتى صارت المرأة أداة من الأدوات أو متاعاً من المقتنيات، وحرمانها من كل المزايا العقلية والأدبية التى أعدت لها بمقتضى الفطرة، وبين هذين الطرفين وسط سنبينه» (ص5). ويبينه المؤلف قائلاً: «فكل من عرف التاريخ يعرف أن الحجاب دور من الأدوار التاريخية. قال قاموس لاروس تحت كلمة «خمار»: كان نساء اليونان يستعملن الخمار إذا خرجن» (ص6). ويمضى قاسم أمين قائلاً: «لو أن للشريعة الإسلامية نصوصاً تقضى بالحجاب على ما هو معروف الآن لوجب علينا اجتناب البحث فيه، ولما كتبت حرفاً يخالف تلك النصوص لأن الأوامر الإلهية يجب الإذعان لها بلا مناقشة، لكننا لم نجد نصاً فى الشريعة يوجب الحجاب على هذه الطريقة المعهودة» (ص7). ويورد قاسم أمين عديداً من الآيات التى ليس فيها نص صريح على ما يجب حجبه من جسد المرأة، وآراء عديد من الفقهاء مثل حاشية ابن عابدين وكتاب الروض من مذهب الإمام الشافعى وكتاب «تبيين الحقائق فى شرح كنز الدقائق» لعثمان بن على الزيلعى، ثم يسأل: «خولت الشريعة للمرأة ما للرجل من الحقوق، وألقت عليها تبعة أعمالها المدنية والجنائية.. فللمرأة الحق فى إدارة أموالها والتصرف فيها بنفسها فكيف للرجل أن يتعاقد معها من غير أن يراها ويتحقق من شخصيتها؟ كيف يمكن لامرأة محجوبة أن تتخذ صناعة أو تجارة للتعيش منها إن كات فقيرة؟ وكيف يتسنى لزارعة محجوبة أن تفلح أرضها وتحصد زرعها؟ (ص12). «وبالجملة فقد خلق الله تعالى هذا العالم وسكن فيه النوع الإنسانى ليتمتع، وجعل التزام الحدود والتمتع بالحقوق للرجال والنساء على السواء، ولم يقسم بينهما قسمة إفراز فلم يجعل جانباً من الأرض للنساء، وجانباً للرجال بل جعل متاع الحياة مشتركاً فكيف يمكن لامرأة أن تتمتع بما شاء الله أن تتمتع به إذا كان محظوراً عليها أن تقع تحت أعين الرجال إلا إذا كان من محارمها؟»، ثم هو يسأل: «إذا وقفت المرأة فى بعض مواقف القضاء خصماً أو شاهداً كيف يسوغ لها ستر وجهها؟». ثم يسأل قاسم أمين، وهو مستشار فى محكمة الاستئناف: «هل يمكن أن يسوغ للقاضى أن يحكم على شخص مستتر الوجه، أو أن يحكم له، ولا أظن أنه يسوغ أن يسمع شاهداً كذلك، بل أقول إن أول واجب عليه أن يعرف وجه الشاهد والخصم، خصوصاً فى الجنايات». ويقول «هذا حكم الشريعة الإسلامية كله يسر لا عسر فيه لا على النساء ولا على الرجال. أما الادعاء بأن ذلك من آداب المرأة فلا أخالها صحيحة لأنه لا علاقة بين الأدب وبين كشف الوجه أو ستره. وأما القول بالخوف من الفتنة فهو أمر يتعلق بقلوب الخائفين ومن يخاف من الرجال أو النساء من الفتنة فإن عليه أن يغض البصر». ثم يقول: «ليست أسباب الفتنة ما يبدو من أعضاء المرأة الظاهرة، بل إن من أهم أسبابها ما يصدر عنها من حركات أثناء مشيها وما يبدو من أفاعيل، والنقاب والبرقع من أشد أعوان المرأة إن أرادت أن تعمل على تحريك الرغبة لأنهما يخفيان شخصيتها» (ص18). ثم يقول قاسم أمين: «إن حجب المرأة فى البيت يجعل منها عاجزة مسكينة قضت عليها عادة سخيفة بالحرمان المؤبد من الترقى والكمال» (ص30). ثم يقدم قاسم أمين، وهو القاضى، حجة تليق به ويسأل: «هل نقبل من مسجون دعواه أنه رجل طاهر لأنه لم يرتكب جريمة وهو فى الحبس؟ فإذا كانت نساؤنا محبوسات فكيف يمكن أن نعرف أنهن عفيفات؟» (ص39).. ويقول قاسم أمين «إن حسن التربية واستقلال الإرادة هما العاملان فى تقدم الرجال فى كل زمان وفى كل مكان، فكيف يمكن لعاقل أن ينكر أن لغياب هذين العاملين أثراً سيئاً فى أنفس النساء؟» (ص48).
ونواصل مع قاسم أمين الذى يحاول الجدال ليس حول السفور وإنما حول مساحة ما يظهر من وجه المرأة.