للجميع فى مصر، وبغض النظر عن تفاوت مستويات دخولهم، حق فى حياة كريمة وخدمات صحية وتعليمية تحفظ كرامتهم الإنسانية وتمكنهم من المشاركة الفعالة فى المجتمع. أهملت الدولة طويلاً هذا الحق الأصيل بعد أن أدار شئونها وشئون المواطن نظم حكم سلطوية قدمت بقاءها واستمرار سيطرتها على حقوق المصريات والمصريين.
خلال العقود الثلاثة الماضية تحديداً، لم يتجاوز الإنفاق الحكومى فى قطاعى الصحة والتعليم إلا قليلاً حاجز ٥ بالمائة من إجمالى الناتج القومى وتحول القطاعان إلى منظومتى فقر فى خدماتهما وإمكانياتهما ومواردهما البشرية. وكعادتنا فى مصر، تطور نظام صحة وتعليم بديل للقادرين وميسورى الحال وانفصل بالكامل عن اللاصحة واللاتعليم المتاح لمحدودى الدخل والفقراء وهم الأغلبية. خلال العقود الثلاثة الماضية، أصبحت أزمات الصحة والتعليم أزمات مزمنة وتداعياتها السلبية على المجتمع على درجة بالغة من الخطورة. مجتمعنا يعانى من انتشار أمراض كالكبد الوبائى وسكر الدم ومن ارتفاع نسبة التسرب من التعليم والأمية المقنعة بجانب الأمية المعلنة وضعف قدرة مخرجات التعليم على التجاوب مع احتياجات سوق العمل.
أخطأنا فى مصر منذ ١١ فبراير ٢٠١١، ولا أستثنى الأحزاب السياسية، فى تجاهل أزمات الصحة والتعليم المزمنة بل وتجاهلنا مجمل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة التى تعانى منها أغلبيتنا. وكان ينبغى علينا الالتفات لها جميعاً وسريعاً والخروج من مصيدة انطباع زائف مؤداه أن إدارة المرحلة الانتقالية تتوقف فقط على الشئون الدستورية والسياسية ولا علاقة لها بظروف المواطنات والمواطنين. فالمؤكد أن لحظات التغيير ومراحل الانتقال تشهد ثورة فى توقعات المواطن المنتمى للفئات المظلومة والمهمشة خاصة وأبداً لا تقتصر التوقعات هذه على الحريات والحقوق السياسية، بل تمتد للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
المطلوب الآن هو إرادة سياسية واضحة لمواجهة أزمات الصحة والتعليم من خلال رفع تدريجى لمعدلات الإنفاق الحكومى فى القطاعين وتحسين مستويات الأجور والمرتبات شديدة التدنى. فالأطباء فى المرافق الصحية الحكومية لا تتجاوز مرتباتهم ١٥٠٠ جنيه شهرياً وتنخفض أجور بقية الفئات المهنية العاملة فى ذات المرافق إلى ما دون ذلك، بينما لا يتجاوز الحد الأدنى لمرتبات المعلمين ٦٠٠ جنيه شهرياً. لا بد من تطوير منظومات متكاملة للرقابة على الخدمات الصحية والتعليمية المقدمة وتطويرها، ولا بد من شراكة حقيقية فى إدارتها من قبل العاملين بالقطاعين ومن قبل المواطن متلقى الخدمة ممثلاً فى منظمات المجتمع المدنى. على مقدمى الخدمات الصحية والتعليمية الخاصة واجب التضامن المجتمعى وتحمل مسئوليتهم الاجتماعية بالمساعدة على تطوير الخدمات فى المرافق الحكومية.
أرجوكم لا تختزلوا احتجاجات واعتصامات العاملين بالصحة والتعليم إلى مطالب فئوية تنضح بالأنانية فى لحظة تغير مجتمعى. فالحقيقة هى أن القطاعين يعانيان منذ فترة طويلة، وأن أنين العاملين بهما من فقر الخدمة التى يجبروا على تقديمها هكذا وسوء أوضاعهم لا يمكن تجاهله.