ربما كان من الأفضل أن نرفع رايات التحذير.. وننبه الجميع مما نراه فى المستقبل القريب قبل أن يحدث.. وبما تدلنا عليه المعطيات المتاحة.. حتى لا نعض أصابع الندم بعدها.. أو نخلق كياناً مشوهاً وندافع عنه بتعصب قبلى.. حتى ونحن ندرك أنه بلا طائل أو ميزة تجعله مختلفاً عما هو قائم بالفعل..!
أتحدث هذه المرة عن تجربة المدارس اليابانية.. كلنا نحترم كل ما يتعلق بكوكب اليابان الشقيق.. كلنا نشعر بجودة وإتقان فى كل ما ينسب لليابان.. إنها تلك المدارس التى أعلن عنها السيد وزير التعليم.. والتى تعد تغيراً نوعياً فى نوعية التعليم المصرى.. ومدخلاً لإصلاح النظام بأكمله فى المستقبل القريب.. كما صرح سيادته بنفسه!
فى البداية ينبغى أن أعترف أننى أكن كل احترام وتقدير للدكتور طارق شوقى وزير التعليم الحالى.. وأثمن تجربته بشدة.. بل إننى أعتبرها أول خطوة صحيحة يتم اتخاذها فى ملف التعليم فى هذا الوادى الطيب منذ عقود كثيرة..
لقد أتى سيادة الوزير إلى الوزارة محملاً بأحلام عريضة من المؤمنين به -ومنهم أنا- واحترم نفسه وبشدة حين اعترف بكل سلبيات الوزارة والنظام التعليمى بالكامل.. وهو يعد بالقضاء على كابوس الثانوية العامة قريباً.. ويعد بنظام تعليمى جديد ومتطور بدأه بالتعاون مع الحكومة اليابانية.. الذى سيبدأ هذا العام بعدد مائة مدرسة.. وهى أول دفعة للمدارس التى ستُعرف مستقبلاً بالمدارس اليابانية فى مصر..!
كل ما سبق عظيم بالفعل.. بل ويشى بمستقبل مشرق للتعليم المصرى -ركيزة التقدم الحقيقية- إن كنا نبحث عنه حقاً..!
المشكلة تكمن فى ما نراه حتى الآن.. الذى يخالف كل ما توقعناه لهذه المدارس من الأساس.. لقد تم إقرار المائة مدرسة على مستوى الجمهورية دون أن يتم تجهيز أماكن مناسبة لها.. حتى إنك لتشعر أن القرار بالبدء فيها قد تم اتخاذه من أجل الإعلان عنه فقط.. فعدد كبير من تلك المدارس ستبدأ كفصول مستقلة داخل مدارس أخرى حتى يتم تجهيز مبناها الخاص..!! ثم نأتى لهيئة التدريس.. لقد أعلنت الوزارة عن فتح باب التقديم للعمل بتلك المدارس عبر موقعها الإلكترونى منذ أسابيع.. ولكن -ولضعف المقابل المادى المقرر للمدرسين فيها- كان الإقبال ضعيفاً، لدرجة أن الوزارة مدت فتح باب التقديم للمدرسين أسبوعاً آخر!!
لن أتحدث عن تدريب المدرسين أنفسهم.. الذى أعتقد أنه لن يتم بشكل جيد لضيق الوقت من ناحية.. ولأن البعثة التى سافرت للتدرب فى اليابان -ومن ثم تدريب المدرسين فى مصر- قد شاب اختيارها الكثير من الوساطة والمحسوبية التى تتغلغل داخل أروقة الوزارة منذ عهد بعيد!! لقد تحولت المدارس اليابانية الجديدة إلى «سبوبة» للسفر للخارج للمقربين بالوزارة.. ووسيلة للترقى أو الحصول على منصب مدير أو وكيل لصغار المدرسين.. دون النظر إلى أى معيار من معايير الجودة الحقيقية.. ودون الأخذ فى الاعتبار.. أنها من المفترض ستصبح نواة سليمة.. لتعليم أفضل فى هذا الوطن!
سيدى الوزير.. ربما كان من الأفضل أن تؤجل افتتاح المدارس للعام المقبل.. بعد أن تتم دراسة المشروع وآليات تنفيذه بصورة أكثر دقة.. فلا نريد لهذا الحلم أن ينهار.. ولا نريد لتلك المدارس أن تصبح وهماً أو أسطورة مشوهة.. أو تتحول إلى نسخ أخرى من مدارس اللغات التجريبية التى بدأت قوية.. قبل أن تستسلم لبيروقراطية الوزارة.. وتتحول إلى مدارس أقل من العادية..!
سيدى.. إننا نؤمن بك وبتجربتك حق الإيمان.. فلا نريد لسيادتك الفشل بأى شكل من الأشكال.. فلتتقبل ما نحذر منه ونحن فى البداية.. لنصل إلى ما نبتغى جميعاً.. لأولادنا.. ولهذا الوطن!